تقارير وتحليلات

بلطة عمرها 700 ألف عام تثير الجدل.. بداية جديدة لتاريخ الإنسان في مصر أم مجرد أثر جيولوجي؟

 

في اليوم الذي تنتظر فيه مصر افتتاح المتحف المصري الكبير، ظهرت قطعة صغيرة أثارت جدلاً واسعاً: بلطة حجرية يعود عمرها إلى نحو 700 ألف عام قبل الميلاد.

هذه الجملة وحدها كانت كفيلة بإشعال نقاش بين علماء الآثار ومحبي التاريخ: هل تمثل هذه القطعة بداية جديدة لإعادة كتابة تاريخ الحضارة المصرية؟ أم أنها مجرد أثر جيولوجي ينتمي إلى عصور ما قبل الإنسان العاقل؟

 

القصة بدأت حين أعلن المتحف المصري الكبير عن عرض “البلطة” في إحدى قاعاته المخصصة للعرض العام، ضمن مجموعة من القطع النادرة التي تُعرض لأول مرة. مظهرها بسيط، فهي مجرد حجر صوان منحوت، لكن قيمتها الحقيقية تكمن في الزمن الذي جاءت منه – زمن لم يكن فيه عمران ولا كتابة ولا دولة.

 

الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، أوضح لـ”تليجراف مصر” أن هذه البلطة ليست أثراً من الحضارة المصرية القديمة، بل من صنع “أشباه الإنسان” الذين عاشوا في منطقة العباسية منذ مئات الآلاف من السنين، حين كانت الأرض التي نعرفها اليوم باسم القاهرة مجرد سهول مفتوحة.

 

وأضاف شاكر أن مكان هذه القطعة الطبيعي هو المتحف الجيولوجي، وليس المتحف المصري الكبير، لأن الأخير يختص بآثار الإنسان الحضاري الذي ترك وراءه دولة ومعابد ونقوشاً تدل على وعي وثقافة.

 

لكن الجدل لم يتوقف عند هذا الحد. فهناك من يرى أن عرض البلطة في المتحف المصري الكبير يحمل بعداً رمزياً، إذ يربط بين أول محاولات الإنسان للبقاء على هذه الأرض، وبين ولادة الحضارة المصرية لاحقاً، وكأن المتحف يريد أن يقول: “قبل الأهرامات، كانت هناك يد تنحت الحجر لتعيش.”

في المقابل، يرى آخرون أن هذا الدمج بين التاريخ الطبيعي والتاريخ الحضاري قد يسبب خلطاً لدى الجمهور، ويفقد المعنى العلمي للدقة الزمنية بين المراحل المختلفة.

 

وأشار شاكر إلى أن بلطات مشابهة اكتُشفت في صحراء أبو سنبل، تعود للعصر نفسه تقريباً، وتُعرض إحداها حالياً في متحف “بتري” للآثار المصرية في إنجلترا، وهو ما يثبت أن أرض مصر كانت مأهولة منذ أزمنة بعيدة جداً، حتى وإن لم تكن حضارة بالمعنى الكامل للكلمة.

 

أما الدليل الإرشادي المرافق للقطعة داخل المتحف المصري الكبير، فقد أوضح أن جماعات الصيد في عصور ما قبل التاريخ اعتمدت على مثل هذه الأدوات الحجرية للبقاء على قيد الحياة، في فترة تمتد بين 700 ألف و250 ألف عام قبل الميلاد، حين كانت الطبيعة هي مصدر التحدي الأول للإنسان.

 

ويأتي هذا الاكتشاف بعد تصريحات الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور مصطفى وزيري، الذي قال إن المتحف المصري الكبير سيعرض “مفاجأة أثرية نادرة” عمرها 700 ألف سنة، مؤكداً أن مصر لا تمتلك ثلث آثار العالم فحسب، بل تمتلك أكثر من ذلك بكثير.

 

وبعيداً عن الجدل العلمي، ربما تكشف هذه القصة وجهاً آخر لمصر: ليست فقط بلد الأهرامات والمعابد، بل أرض تمتد جذورها إلى أقدم مراحل الوجود الإنساني. من أول حجر صوان استخدمه “أشباه الإنسان” في العباسية، إلى آخر تمثال ذهبي لملوك طيبة، يظل الخيط واحداً – خيط يروي رحلة الإنسان على هذه الأرض منذ بدايتها.

 

قد لا تكون البلطة أثراً فرعونياً، لكنها بلا شك شاهد على أقدم فصول الحكاية.. حكاية الإنسان الذي بدأ رحلته نحو الحضارة من قلب مصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى