تقارير صحفية

الصين تكشف عن ورقة ضغط استراتيجية.. بكين تهدد واشنطن بشل الصناعات الأمريكية الحيوية

في تصعيد لافت للتوترات التجارية المتصاعدة بين القوتين العالميتين، كشفت الصين عن ورقة ضغط استراتيجية جديدة من شأنها إعادة رسم خريطة الصناعات العالمية، وذلك بقرارها تقييد وصول الولايات المتحدة إلى المعادن النادرة، تلك الخامات الحيوية التي تمثل عصب الصناعات التكنولوجية والعسكرية المتقدمة في أمريكا.

وهذه الخطوة الجريئة من بكين تضع واشنطن أمام تحدٍ وجودي يهدد قدرتها التنافسية وربما أمنها القومي.

هيمنة صينية خانقة على شرايين الصناعة العالمية
تكشف البيانات الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عن مدى الاعتماد الكارثي للولايات المتحدة على الصين في تأمين إمدادات مجموعة واسعة من المعادن الأساسية.

الصين تكشف عن ورقة ضغط استراتيجية.. بكين تهدد واشنطن بشل الصناعات الأمريكية الحيوية
صناعة الإليكترونيات

وهذه الأرقام الصادمة تسلط الضوء على مدى الاختلال في ميزان القوى، حيث تستورد واشنطن نسبًا مرعبة من معادن لا غنى عنها لصناعاتها الحيوية:
72% من العناصر الأرضية النادرة: وهي مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا ضروريًا لتصنيع المحولات الحفازة في السيارات، والمغناطيسات عالية الكفاءة المستخدمة في توربينات الرياح والمحركات الكهربائية، بالإضافة إلى مكونات أساسية في الإلكترونيات الاستهلاكية.
68% من البزموت: معدن يستخدم في مجموعة واسعة من التطبيقات الطبية، بما في ذلك بعض الأدوية، بالإضافة إلى استخدامه في الصناعات الذرية.
63% من الأنتيمون: يدخل في صناعة بطاريات الرصاص المستخدمة في السيارات وأنظمة الطاقة الاحتياطية، بالإضافة إلى استخدامه كمثبط للهب في العديد من المواد.
58% من الزرنيخ: عنصر بالغ الأهمية في صناعة أشباه الموصلات التي تشكل الدماغ الإلكتروني للأجهزة الحديثة.
42% من الجرافيت: يستخدم في زيوت التشحيم عالية الأداء، وخلايا الوقود التي تعد مستقبل الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى بطاريات الليثيوم أيون.
30% من الباريت: معدن ضروري لإنتاج الهيدروكربونات، حيث يستخدم في عمليات حفر آبار النفط والغاز.
27% من التنجستن: يتميز بمقاومته العالية للتآكل والحرارة، مما يجعله ضروريًا في الصناعات الثقيلة وأدوات القطع.
26% من الجرمانيوم: يستخدم في صناعة الألياف البصرية التي تنقل البيانات بسرعات فائقة، بالإضافة إلى تطبيقات الرؤية الليلية والأجهزة الطبية.
24% من التنتالوم: يدخل في صناعة المكثفات والمكونات الإلكترونية الدقيقة المستخدمة في الهواتف الذكية والحواسيب والأجهزة الإلكترونية الأخرى.
21% من الغاليوم: يستخدم في صناعة الأجهزة البصرية مثل الليزر، والدوائر المتكاملة عالية السرعة المستخدمة في الاتصالات.
وحتى في المعادن التي تبدو نسب الاعتماد عليها أقل، مثل المغنيسيوم (9%)، والفلورسبار (6%)، والليثيوم (3%)، تظل الصين المورد المهيمن، ما يجعلها نقطة ارتكاز لا يمكن الاستغناء عنها في سلاسل الإمداد المعدنية العالمية.

الصين تكشف عن ورقة ضغط استراتيجية.. بكين تهدد واشنطن بشل الصناعات الأمريكية الحيوية
صناعة الإليكترونيات

الخطر المضاعف: سيطرة بكين على التكرير والمعالجة
لا يقتصر التهديد على نسب الاستيراد المرتفعة فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى هيمنة الصين شبه الكاملة على عمليات تكرير ومعالجة هذه الخامات الحيوية.

فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن غالبية المعادن المستخرجة من دول أخرى حول العالم تمر عبر المصانع الصينية لتكريرها وتحويلها إلى مواد أولية قابلة للاستخدام في الصناعات المختلفة. هذا الوضع يمنح بكين نفوذًا وسيطرة مطلقة على سلاسل التوريد العالمية، ويجعل أي محاولة لتنويع المصادر أكثر تعقيدًا.

ويبرز بشكل خاص قطاع المغناطيسات الأرضية النادرة، حيث تنتج الصين ما يقرب من 90% من الإنتاج العالمي. هذه المغناطيسات تمثل مكونًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه في صناعة السيارات الكهربائية التي تمثل مستقبل قطاع النقل، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة وأنظمة الأسلحة المتقدمة.

وقد بدأت بكين بالفعل في فرض قيود صارمة على تصدير هذه المغناطيسات، وهو ما دفع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى إصدار تحذيرات شديدة اللهجة بشأن التداعيات المحتملة لهذه الخطوة على الأمن القومي الأمريكي.

تحركات أمريكية متعثرة في مواجهة التحدي الصيني
على الرغم من بعض التحركات التي بدأت في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتسريع مشاريع التعدين المحلية وتقليل الاعتماد على الخارج، إلا أن الواقع يشير إلى ضعف البنية التحتية الأمريكية في هذا القطاع.

ففي الوقت الحالي، لا يوجد سوى منجم أمريكي واحد فقط متخصص في استخراج المعادن الأرضية النادرة، ولا يغطي إنتاجه سوى حوالي 15% فقط من الطلب المحلي.

الصين تكشف عن ورقة ضغط استراتيجية.. بكين تهدد واشنطن بشل الصناعات الأمريكية الحيوية
صناعة الإليكترونيات

تحاول واشنطن جاهدة بناء شراكات استراتيجية مع دول أخرى غنية بالموارد مثل كندا وأوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بهدف تنويع مصادر الإمداد وتقليل الاعتماد على الصين.

إلا أن هذه المساعي تواجه عقبات كبيرة، أبرزها التكلفة العالية لتطوير مشاريع التعدين والبنية التحتية اللازمة، بالإضافة إلى الفجوة التكنولوجية الكبيرة التي تفصل الولايات المتحدة عن الصين في مجال تكرير ومعالجة هذه المعادن.

وهذه العوامل تجعل تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تقليل الاعتماد بشكل كبير على الصين هدفًا بعيد المنال على المدى القريب.

سيناريو الشلل الصناعي يلوح في الأفق
يؤكد خبراء في تصريحات لـ “نيويورك تايمز” أن أي اضطراب حقيقي في تدفق هذه المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة سيؤدي حتمًا إلى شلل صناعي شامل، خاصة في القطاعات الحيوية التي تمثل قاطرة الاقتصاد الأمريكي، مثل الصناعات الدفاعية، وقطاع الطاقة المتجددة الذي يعتمد بشكل كبير على المغناطيسات النادرة، وصناعة أشباه الموصلات التي تدخل في قلب كل جهاز إلكتروني حديث.

يأتي هذا التهديد في وقت يشهد فيه العالم تزايدًا مطردًا في الطلب على هذه المواد الخام، مدفوعًا بالتحولات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر والاعتماد المتزايد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. الصين، من خلال هذه الخطوة الاستراتيجية، لا تمارس مجرد ضغط اقتصادي على الولايات المتحدة، بل تمسك بخيوط لعبة استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز مكانتها كقوة عظمى مهيمنة على المستقبل الصناعي للعالم.

ويبدو أن العالم بدأ يدرك الآن فقط حجم هذه الورقة الرابحة التي تمتلكها بكين، بينما تواصل الأخيرة تعزيز أوراق قوتها في هذا السباق العالمي المحموم نحو السيطرة على الصناعات المستقبلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى