سياحة و سفر

دير السبع بنات بوادي فيران.. واحة روحانية وتاريخ عريق في قلب سيناء

يتألق دير السبع بنات كجوهرة روحانية وتاريخية في قلب وادي فيران الخصيب، التابع لمدينة أبورديس بمحافظة جنوب سيناء.

ويمثل هذا الدير، الذي تغمره الخضرة من كل جانب وتحيط به مزارع الزيتون والفاكهة التي ترويها مياه الأمطار والآبار النقية، تحفة معمارية وأثرية فريدة، وشاهدًا على عظمة الوجود المسيحي المبكر في شبه الجزيرة.

شُيّد دير السبع بنات في وادي فيران منذ القرن الرابع الميلادي، ليصبح أول وأعظم مركز مسيحي في هذه البقعة المقدسة. لم يكن هذا الصرح الديني مجرد مكان للعبادة، بل اضطلع بدور محوري كمركز لأساقفة سيناء في تلك الحقبة الزمنية الهامة.

وفي نفس الفترة، تم إنشاء دير سانت كاترين ليُخصص لإقامة الراهبات، مما يعكس الأهمية الروحية والتنظيمية التي حظي بها وادي فيران في بدايات المسيحية في المنطقة.

يحيط بالدير حصن طبيعي من السلاسل الجبلية الشاهقة، التي تضفي عليه أجواء من السكينة والروحانية والجمال الأخاذ. وقد ظل دير السبع بنات على مر القرون ملاذًا آمنًا للراهبات، ومحطة هامة في مسيرة النساك الأوائل القادمين من مختلف أرجاء أوروبا، وخاصة من اليونان ورومانيا.

ففي هذا الوادي المبارك، الذي تحيطه الجبال المهيبة من كل جانب، كانت تتقاطر جميلات أوروبا، تاركات خلفهن حياة الدعة والترف، لينخرطن في حياة التعبد والزهد في هذا المكان المقدس.

يستمد دير السبع بنات اسمه من قصة مؤثرة تعود إلى القرن الرابع الميلادي، خلال فترة الاضطهاد الروماني للمسيحيين. ففي تلك الحقبة، سكن الدير سبع بنات يونانيات الجنسية، عرفن بتقواهن وورعهن. ولحمايتهن من بطش الرومان، اعتدن الاختباء فوق جبل الطاحونة المجاور.

وعندما علم الرومان بمخبئهن، قاموا بعمل وحشي بربط ضفائر شعورهن معًا وقذفهن من أعلى الجبل، ليُقتلن وهن يفضلن الموت على التنكر لإيمانهن.

يقع جبل الطاحونة مباشرة مقابل دير السبع بنات، ويبلغ ارتفاعه 886 مترًا فوق مستوى سطح البحر. ويحرص الزائرون لدير السبع بنات على صعود هذا الجبل، الذي يحمل قيمة دينية وتاريخية عميقة، خاصة لدى اليونانيين. فعلى قمته، توجد طاحونة هوائية قديمة وكنيسة صغيرة، بالإضافة إلى عدد من الغرف الصغيرة التي كانت تُعرف آنذاك باسم “قلايا” مسيحية تعود إلى القرن الرابع الميلادي، والتي يُعتقد أنها كانت مخبأ للسبع بنات خلال فترة اختبائهن.

يُشير التاريخ إلى أن وادي فيران لم يكن مجرد موقع لدير السبع بنات، بل كان حاضرة مسيحية متكاملة. فقد تم اكتشاف مدينة بيزنطية أثرية في الوادي، يعود تاريخها إلى الفترة من القرن الرابع إلى السادس الميلادي.

وتشير الآثار إلى أن هذه المدينة استقبلت المسيحيين القادمين من أوروبا الذين وجدوا فيها ملاذًا آمنًا في طريقهم إلى القدس عبر سيناء.

يضم الوادي أيضًا جبل البنات التاريخي، الذي يعلوه دير يعود إلى القرن الخامس الميلادي، مما يؤكد على الأهمية التاريخية والدينية للمنطقة كمركز مسيحي مبكر. ويقع وادي فيران على بعد 60 كيلومترًا شمال غرب دير سانت كاترين، ويمتد على طول 5 كيلومترات ويتراوح عرضه بين 250 و 375 مترًا. وقد اشتهر في الماضي بوفرة المياه التي كانت تروي حدائقه الغناء.

يستمد الوادي شهرته الإضافية من موقعه في سفح جبل سربال العظيم، الذي يبلغ ارتفاعه 2070 مترًا فوق سطح البحر. ويحمل هذا الجبل، الذي ارتبط اسمه بأشجار النخيل التي كانت تنمو عند سفحه، مكانة مقدسة تعود إلى ما قبل خروج بني إسرائيل إلى سيناء.

لقد كان وادي فيران ملجأً للمتوحدين الأوائل في سيناء الذين لجأوا إليه في القرن الرابع الميلادي هربًا من الاضطهاد الروماني. وقد بنوا قلاياهم المتواضعة من أحجار الوادي، ولا تزال آثار هذه القلايا باقية حتى الآن، تشهد على زهد هؤلاء الرواد الأوائل للإيمان المسيحي في سيناء.

تضم المنطقة الأثرية في وادي فيران مدينة بيزنطية متكاملة تتجلى في تل محرض الأثري، الذي يمتد على مساحة 400 متر طولًا و 200 متر عرضًا. يحيط بالمدينة سور يعود إلى القرن السادس الميلادي، شُيدت أساساته من الحجر والجزء العلوي منه من الطوب اللبن.

وتضم المدينة منازل واضحة التخطيط، ومقابر على أطرافها، وأربع كنائس، من بينها الكنيسة الأسقفية التي كانت تابعة للكرسي الباباوي وكنيسة المدينة، وقد خُصص جزء منها كمستشفى. وتعتبر مطرانية فيران أقدم مطرانية في سيناء منذ عام 451 ميلادي، وقد حظيت بمقعد بابوي في تلك الفترة.

يُمثل دير السبع بنات، بما يحيط به من تاريخ عريق وجمال طبيعي خلاب، نقطة جذب سياحي ديني هامة في جنوب سيناء. فهو ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو نافذة تطل على بدايات الوجود المسيحي في هذه الأرض المقدسة، ورمز للصمود والإيمان في وجه التحديات.

إن زيارة هذا الدير العريق هي رحلة عبر الزمن، واستكشاف لكنز روحي وتاريخي فريد يتجسد في قلب وادي فيران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى