كنتُ أعملُ تحت إمرةِ خشداشٍ شديد السَّطوة والجبروت ، هو الأمير “مَلكْتُمُر” وكان يُسمي “قايد نار” لما تنتابُه من حالاتِ الغضبِ الشَّديد التي تعصفُ بعقلِه فيعصفُ بمن أمامِه .. عملي عنده هو سياسةُ أحد خيوله التي كانت أُشرِبَت طبعه … فهي شديدةُ الهياج وكأن منخاريها يقذفان حممَ اللهب عندما يمتطي الأمير صهوتها ويطير بها في الساحة الواسعة أمام القلعة والمعروفة بميدان “الرميلة” ..كنتُ أتحاشى لقاءه لكراهة طبعِه غير أن حظي العاثرَ ألقاني في طريقه ذات ظهيرةٍ و أنا ألقمُ حصانه بعضَ قطع السكر … وفجأة ..أظلمتْ الدنيا عندما زحف ظلُّه من ورائي يحجب الشمسَ ويسدُّ الأفق فتشاهدتُ في سِرِّي ولم ألتفتْ ..
جاءني صوته مزمجراً بلسانٍ ثقيل
– ماذا تفعل أيُّها البائس ؟!
– أُطعمُ الحصانَ يا سيدي ..
شَخــَر بمنخاريه الواسعين فسقطَ قلبي في ركبتي ..ثم أردفَ
– هل طمَّرته اليوم يا شقيٌّ ؟!
-نعم يا سيدي ..اخترتُ له أطيبَ الكلأ فأكلَ بالهناء والعافية …وسقيتُه ماءً بارداً …ثم أردفتُ بصوتٍ لا أكادُ أسمعُه
– وأنا لم أفطر بعدُ يا سيِّدي .. وقد كادَ العصر يُرفع من مأذنة جامع السلطان ..
– وهل تساوي نفسَك بحصان الأمير يا عبدَ النَّحس … كل العبيد قد بيعت إلا أنت يا عبدَ السوء وقعت في قرابيزي ؟!
رفعتُ طرفَ عيني فالتقي بعينيه اللتين احمرَّ بياضُهما من سَوْرة الخمر وهو يلوح بكرباجه النوبيِّ في الهواء فيُحدِث طرقعةً جعلت الأرض تميدُ تحت قدميَّ حتي ابتلَّ سروالي … وهنا تعالتْ ضحكاتُ “قايد نار ” وكأنَّه الشيطان ، وقال لي بعباراتٍ متقطعة من فرط ضحكاته المخمورة : اذذ..اذهبْ عليك ال …لعنة …لن يهنأَ أمثالُك بالراحة … إلا عندما يواريهم التررراب …. هاههاااا ههههههااااا
ثم علتْ طرقعةُ سوطه في الهواء وهو يصيح : اتـَّـكلْ ياابن الفاعلة ..
أطلقتُ ساقيي للريح و أنا أنظرُ إلي السماء بعيونٍ زائغة حامداً ربي علي النجاة ..غير أن شريطاً من اللهب كنتُ أشعرُ به في جانبِ وجهي وعندما تحسَّستُ موضعَه و أنا أركضُ وجدتُ أن طرفَ سوطِ الأمير قد أطارَ قطعةً من شحمةِ أذني فانفجرَتْ من موضعه نافورةُ نارٍ عزمتُ أن أكتمها بقطعةٍ من ثوبي المُمزَّق حينَ أصلُ إلي إحدي الحواري الرطيبة وأختفي عن بصرِ مولاي .
“رائد “