تقارير وتحليلات

السودان 2025.. جحيم الفاشر يكتب فصول الكارثة.. أطفال يقتاتون على ‘علف الماشية’ وملايين تحت مقصلة النزوح

“كل يوم يمر يجلب مستويات صادمة من العنف، ومعاناة هائلة لا تُوصف، دون أفق للنهاية”.. لم تكن هذه مجرد كلمات عابرة في أروقة الأمم المتحدة، بل كانت مرثية لبلد كامل لخصت مشهد السودان في عام 2025. عامٌ لم يعد فيه الصراع مجرد اشتباك عسكري، بل تحول إلى “حرب استنزاف شاملة” اقتلعت الجذور، وأحالت المدن إلى أطلال، واضعةً السودان على قمة الهرم العالمي للكوارث الإنسانية.

ميليشيا الدعم السريع.. “إستراتيجية الأرض المحروقة”
في قلب هذه العاصفة، تبرز ميليشيا الدعم السريع كلاعب أساسي في تفاقم المأساة. فوفقاً لتقارير أممية متواترة، تجاوزت انتهاكات الميليشيا حدود الميدان العسكري لتطال جسد المجتمع المدني.

لم يعد الأمر يقتصر على الرصاص؛ بل امتد ليشمل نمطاً ممنهجاً من:

الإبادة والتهجير: خاصة في إقليم دارفور الذي استعاد مشاهد التطهير العرقي بوحشية تفوق ما حدث في العقود الماضية.

سلاح الاغتصاب: تقارير مرعبة عن عنف جنسي استُخدم كأداة لكسر إرادة المدنيين.

النهب القسري: تجريد المواطنين من ممتلكاتهم وتحويل المدن إلى مناطق “تفتقر للحياة”.

سقوط الفاشر.. الزلزال الذي أربك الحسابات
كانت الفاشر هي “بيضة القبان” في الصراع. فبعد حصار خانق تجاوز الـ 500 يوم، سقطت العاصمة التاريخية لدارفور في أواخر أكتوبر 2025 بيد ميليشيا الدعم السريع. هذا السقوط لم يكن خسارة لموقع عسكري فحسب، بل كان زلزالاً إستراتيجياً أزال آخر معاقل الدولة في الإقليم، وفتح الباب أمام مرحلة من الفوضى المطلقة.

يقول أحد النازحين الفارين من المدينة: “لم نسقط عسكرياً فقط، بل سقطت فوق رؤوسنا كل معاني الأمان. الفاشر كانت الملاذ الأخير، والآن نحن في العراء”.

أرقام من جحيم: جيل “علف الماشية”
تكشف لغة الأرقام عن هوية الكارثة التي يعيشها السودان اليوم، حيث تشير بيانات المنظمة الدولية للهجرة إلى واقع مرعب:

9.3 مليون نازح داخلي يتوزعون على 18 ولاية.

3 ملايين لاجئ عبروا الحدود بحثاً عن النجاة.

الأطفال هم الضحية الكبرى: أكثر من نصف هؤلاء النازحين أطفال، جيل كامل بلا مدرسة، بلا لقاحات، وبلا طفولة.

لكن الرقم الأكثر إيلاماً يأتي من “الموائد الخاوية”؛ حيث تشير التقارير إلى أن ثلث العائلات النازحة تقضي أياماً كاملة دون لقمة طعام واحدة. وفي الفاشر المحاصرة، اضطر المدنيون – وبينهم آلاف الأطفال – إلى أكل علف الماشية للبقاء على قيد الحياة، في وصمة عار ستظل تلاحق الضمير العالمي.

طويلة.. محطة الهروب إلى المجهول
مع سقوط الفاشر، تدفقت موجات بشرية بلغت 100 ألف شخص في غضون أيام. هؤلاء النسوة والأطفال شقوا طريقهم سيراً على الأقدام نحو مدينة “طويلة” (45 ميلاً غرباً)، في رحلة نزوح قاسية تفتقر لأدنى مقومات النجاة، حيث تترصدهم الأمراض والجوع قبل نيران الميليشيات.

أفق مسدود.. حرب بلا منتصر
رغم مرور عامين ونصف على اندلاع المواجهة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وميليشيا الدعم السريع، إلا أن عام 2025 أثبت أن الحل السياسي لا يزال “جنيناً ميتاً”.

تتآكل الدولة السودانية يوماً بعد يوم؛ المدن تُفرغ من سكانها، والقرى تُحرق، والمجتمع الدولي يكتفي ببيانات القلق، بينما تظل الحقيقة الماثلة على الأرض أن “الإنسان السوداني” هو الوقود الوحيد لهذه المحرقة التي لا تبقي ولا تذر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى