زينب بنت النبي: من مكة إلى المدينة، قصة إسلام وفراق وعودة

كانت سيرة السيدة زينب بنت رسول الله ﷺ فصلا مهما في سيرة البيت النبوي، بيتٍ اجتمع فيه الوحي والأمومة والحب والابتلاء في آنٍ واحد، هي أكبر بنات النبي من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، بل يذكر المؤرخون أنها وُلدت قبل البعثة النبوية بعشر سنوات تقريبًا في مكة، عندما كان عمر النبي نحو ثلاثين عامًا.
كبرى بنات النبى
تتفق المصادر الموثوقة على أن زينب هي كبرى بنات النبي ﷺ من خديجة، مع خلاف يسير: هل هي أول أولاده أم يسبقها القاسم في الميلاد، لكن الجزم بأن أمها خديجة وأنها من السابقات إلى الإسلام أمر لا خلاف عليه في كتب التراجم والسير.
تزوجت زينب من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع، الذي ربته خديجة في بيتها كأحد أبنائها، فاختارته زوجًا لابنتها قبل البعثة، رُزق الزوجان طفلين: عليًا الذي توفي صغيرًا، وأمامة التي ستصبح فيما بعد حفيدةً يحملها النبي ﷺ على كتفه في الصلاة كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
عندما نزل الوحي على النبي ﷺ، كانت زينب في بيت زوجها، فأعلنت إسلامها مع أمها وأخواتها، بينما بقي أبو العاص على شركه، رغم ما عُرف عنه من أمانة وخلق، وتذكر الروايات أن قريشًا ضغطت عليه ليفارق زوجته المسلمة، فكان يجيبهم: “لا والله، لا أفارق صاحبتي”، فاستمر الزواج زمنًا مع اختلاف الدين، حتى هاجر النبي إلى المدينة وبقيت زينب في مكة مع زوجها.
تتغير نبرة الحكاية مع غزوة بدر، إذ خرج أبو العاص مع مشركي قريش، فوقع أسيرًا في يد المسلمين، هنا تظهر واحدة من أشهر لقطات السيرة: أرسلت زينب في فداء زوجها قلادة كانت أمها خديجة قد أهدتها لها ليلة زفافها، لما رأى النبي ﷺ القلادة رقّ قلبه لذكرى خديجة، وطلب من أصحابه أن يطلقوا سراح أبي العاص، وأن يردوا القلادة إلى زينب، على أن يتعهد الزوج بإرسال زوجته إلى المدينة. وهو ما تم بالفعل، فهاجرت زينب إلى المدينة بعد سنوات من الفراق عن أبيها.
الهجرة نفسها لم تكن سهلة، تُشير روايات عند الذهبي في “سير أعلام النبلاء” إلى أن بعض مشركي قريش تعرضوا لموكبها في الطريق، فتعرضت لأذى شديد ترك أثرًا صحيًّا عليها حتى وفاتها، وهو ما يفسر أن كثيرًا من كتب التراجم تربط بين إصابة الهجرة وبين مرضها المزمن.
تعود خيوط القصة لتلتقي من جديد في المدينة، فبعد سنوات، خرج أبو العاص في قافلة لقريش متجهة إلى الشام، فاستولى المسلمون على القافلة في إحدى السرايا، بينما تمكن هو من الفرار ليلاً حتى وصل إلى بيت زينب في المدينة، فآوته وطلبت له الجوار، وفي صلاة الفجر، رفعت صوتها من داخل المسجد النبوي معلنة: “إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع”، فقبل النبي ﷺ جوارها، وقال للصحابة إنه لم يعلم بالأمر إلا في تلك اللحظة، مؤكِّدًا أن “يجير على المسلمين أدناهم”.
بعد أن أُعيدت القافلة إلى أهلها في مكة، عاد أبو العاص بنفسه ليسلم الأمانات إلى أصحابها، ثم أعلن إسلامه هناك، قبل أن يهاجر إلى المدينة مسلمًا، وهنا تختلف الروايات: فبعضها يذكر أن النبي ﷺ رد زينب إلى زوجها بنكاح جديد ومهر جديد، بينما يرجح ابن عباس كما ينقل الذهبي أن النبي ردها إليه على نكاحها الأول دون تجديد صداق، بعد أن اجتمع الزوجان أخيرًا على الإسلام.
تنتهي حكاية السيدة زينب في أوائل السنة الثامنة للهجرة، بحسب ما يثبته الذهبي في “سير أعلام النبلاء”، بينما تذكر بعض المصادر المتأخرة أنها توفيت قبل ذلك بثلاث سنوات، غير أن الرواية الأثبت عند أهل الحديث والسير هي وفاتها سنة 8 هـ، في المدينة المنورة، والنبي ﷺ لا يزال حيًّا.
روَت أم عطية أن النبي أمر الصحابيات أن يغسّلنها ثلاثًا أو خمسًا، وأن يجعلن في الغسلة الأخيرة كافورًا، ثم أعطاهن إزاره الشريف ليكون مما يُلصق بجسدها في الكفن، في إشارة أبوية حانية في لحظة الفراق الأخيرة.



