تقارير وتحليلات

برميل بارود أمريكا اللاتينية..هل اقتربت ساعة الصفر للتدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا؟

 

يشهد المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية أعلى مستويات التوتر على الإطلاق، مع تصعيد الولايات المتحدة لـ “استراتيجية الضغط الأقصى” ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، التي يبدو أنها دخلت الآن مرحلة العسكرة المباشرة وغير المسبوقة.

ففي الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الحشد العسكري الأمريكي قبالة السواحل الفنزويلية، يلوح خيار “الضربات البرية” الذي هدد به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأفق، ليضع المنطقة بأسرها على حافة الهاوية.

 

من الضغط إلى الحشد: “عملية الرمح الجنوبي”

لم تعد التحركات الأمريكية مجرد مناورات روتينية. ففي خطوة وُصفت بأنها استعداد لعملية تغيير نظام، أطلق البنتاجون “عملية الرمح الجنوبي”، التي شملت نقل أكثر من 12 سفينة حربية و15 ألف جندي إلى المنطقة.

وعلى الرغم من إعلان المسؤولين الأمريكيين أن الهدف المعلن هو مكافحة قوارب المخدرات، فإن تسريبات لشبكة CNN كشفت الأهداف الحقيقية، حيث تلقى الرئيس ترامب إحاطات لمراجعة خيارات عسكرية محدثة، تتضمن خططاً لدراسة قصف منشآت الكوكايين.

ويهدف هذا التصعيد بشكل أساسي إلى زيادة الخناق على مادورو، الذي اتهمته الإدارة الأمريكية بالارتباط بالجريمة المنظمة وتهريب المخدرات، وهو ما ترجم إلى رصد مكافأة ضخمة تصل إلى 25 مليون دولار لمن يساعد في القبض عليه.

الدافع وراء هذا التصعيد متعدد الأوجه: إنه مزيج من الرفض الأيديولوجي لنظام مادورو الاشتراكي، والصراع على ثروة النفط الأكبر في العالم، والرغبة الجامحة في كسر التحالفات الروسية والصينية التي توفر دعماً حيوياً لكاراكاس.

 

مادورو يرفض الاستسلام ويُلوّح بـ “لا ليبيا ولا أفغانستان”

في المقابل، يرفض مادورو التراجع، موجهاً تحذيراً مباشراً وحاداً إلى واشنطن. ففي مقابلة حصرية لشبكة CNN، شدد الرئيس الفنزويلي على أن بلاده لن تكون مسرحاً لفشل أمريكي آخر، مؤكداً: “لا مزيد من ليبيا ولا مزيد من أفغانستان.”

ومع كل تحرك عسكري أمريكي، تُعبئ فنزويلا قواتها، مؤكدة على وحدة الشعب ورفضها لـ “المؤامرة” الأمريكية.

ويستند العداء الأمريكي لمادورو إلى رفض واشنطن لشرعيته الديمقراطية بعد انتخابات 2018، إلى جانب فشله الاقتصادي الكارثي الذي أدى إلى أزمة لاجئين ضخمة.

لكن في الجوهر، تهدف واشنطن إلى تصفية حسابات النفط واستعادة السيطرة على منطقة تعتبرها مجال نفوذها الحصري.

ولتحقيق هذا الهدف، تضمنت خطة الإزاحة عقوبات اقتصادية شاملة استهدفت قطاع النفط، وتجميد مليارات الدولارات من الأصول الحكومية الفنزويلية في الخارج، مع الاعتراف بـ خوان غوايدو كرئيس شرعي منافس.

 

الفوضى قد تكون البداية

مع اقتراب الخيار العسكري من الطاولة، تتزايد تحذيرات الخبراء والمحللين من أن الإطاحة بمادورو قد تكون مجرد بداية لعملية طويلة وممتدة من الفوضى يصعب السيطرة عليها.

فرغم كل الانتقادات، ينظر دبلوماسيون غربيون إلى مادورو على أنه “ضامن التوازن” في نظام داخلي شديد التعقيد.

 

ويخشى الخبراء من عدة سيناريوهات كارثية محتملة في حال اختفاء مادورو من المشهد:

 

استيلاء الجيش على السلطة:

يرى مستشار الأمن القومي الأسبق، جون بولتون، أن الجيش الفنزويلي ما زال متماسكاً ولن ينهار، بل سيعمل على تأكيد سيطرته وقمع أي انتفاضة.

 

صعود بديل أكثر تشدداً:

قد يؤدي الفراغ إلى ظهور بديل متشدد من الحركة التشافيزية اليسارية، مما يجعل الأوضاع أسوأ من المنظور الأمريكي.

 

الانزلاق نحو حرب أهلية:

يُخشى من تفكك سيطرة مادورو على القوى المسلحة المحلية والخارجية، مثل العصابات وكارتلات المخدرات والجماعات المتمردة الكولومبية، مما يجر البلاد إلى صراع داخلي شامل.

أما المعارضة الفنزويلية المدعومة أمريكياً، فمن غير المرجح أن تتمكن من ملء الفراغ أو الحكم دون دعم أمريكي لوجستي وعسكري مستدام، قد يصل إلى حد ضرورة نشر قوات أمريكية على الأرض لحمايتها.

 

ترامب على مفترق الطرق

يجد الرئيس ترامب نفسه أمام تحد داخلي وخارجي كبير. فالمضي قدماً في خطة الإزاحة العسكرية يهدد بإشعال فوضى في أمريكا اللاتينية،وهو ما يتعارض مع وعوده الانتخابية بتجنب الحروب الخارجية.

في المقابل، فإن التراجع عن هذا التصعيد قد يُنظر إليه على أنه “فرصة ضائعة” تنهي الحديث عن الهيمنة الأمريكية على نصف الكرة الأرضية، وتترك مادورو منتصراً بفضل الدعم الروسي والصيني.

هذا الصراع، إذا لم يُحل دبلوماسياً، بات يهدد بعواقب تتجاوز حدود فنزويلا، ليعيد تعريف قواعد اللعبة الجيوسياسية في العالم الجديد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى