أساطير خلقت التاريخ: من رمية وليم تيل إلى حروب طروادة وكسر أنف أبو الهول

عبر التاريخ، لعبت الأساطير دورًا جوهريًا في تشكيل وعي الشعوب، وتفسير تحولاتهم السياسية والاجتماعية، بل وصياغة ملامح الهوية الثقافية. كثير من هذه القصص وُلد من حادثة صغيرة، أو من رمز بسيط مثل “تفاحة” أو “حجر أساس” أو حتى “أنف مكسور”، لكنه تحوّل عبر القرون إلى سرديات كبرى تحمل معاني الحرية، والجمال، والصراع، والتأسيس.
من رمية وليم تيل التي أصبحت رمزًا لمقاومة الظلم في سويسرا، إلى تفاحة إيريس التي أشعلت حرب طروادة، مرورًا بأسطورة تأسيس البندقية العائمة، وصولًا إلى حكايات كسر أنف أبو الهول التي شغلت الخيال الشعبي، تتجاوز هذه الحكايات حدود الواقع لتصبح مرآة لروح الشعوب، ونافذة لفهم كيف تتحوّل الأحداث إلى أساطير تحفظها الذاكرة البشرية عبر الزمن.
اسطورة التفاحة
وفقًا للأسطورة السويسرية الشهيرة، وقعت حادثة إصابة وليم تيل للتفاحة الموضوعة على رأس ابنه، والتي جاءت كنوع من العقاب. وتُروى سيرة تيل باعتباره بطلًا شعبيًا سويسريًا وواحدًا من رموز حكايات استقلال البلاد عن الإمبراطورية النمساوية.
وبحسب ما يورده كتاب معجم أعلام المورد للمترجم والأديب اللبناني منير البعلبكي، فإن وليم تيل يعد بطلًا أسطوريًا من أبطال الاستقلال السويسري. وتزعم الرواية أنه كان فتى سويسريًا عاش في القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر، وأن الحاكم النمساوي جيسلر، الذي كان يدير أحد أقاليم سويسرا، علّق قبعته على عمود في الساحة العامة رمزًا للسيادة النمساوية، وأمر كل من يمرّ بالساحة بأن ينحني احترامًا لها.
لكن وليم تيل رفض الامتثال لذلك، فحكم عليه بأن يرمي بقوسه تفاحة وُضعت على رأس ابنه، وقد تمكن من إصابتها بالفعل. ومع ذلك، اعتقله رجال السلطة ووضعوه على متن قارب متجه إلى قصر جيسلر القائم على ساحل بحيرة لوسرن. وأثناء الرحلة هبّت عاصفة قوية، فطلبوا من وليم أن يتولى توجيه الدفة لخبرته في ذلك، فقادهم إلى شاطئ آمن. وما إن اقترب القارب من الساحل حتى قفز منه وهرب، ثم نصب كمينًا لجيسلر وقتله. وقد شكّل هذا الفعل شرارة أشعلت دعوة الشعب للثورة ضد الحكم النمساوي.
تفاحة حرب طراودة
دُعيت هيرا وأثينا وأفروديت إلى عرس ثيتس ولم تُدعَ إليه إيريس (إلهة النزاع)، فغضبت وقررت بث الفرقة والنزاع بين الإلهات الثلاث، ووضعت تفاحة ذهبية كُتب عليها (للأجمل)، لتختلف الإلهات الثلاث حول مَن منهنّ الأجمل.
ولحل النزاع قرر زيوس اللجوء إلى تحكيم أجمل البشر من الرجال، وكان هذا الرجل هو باريس ابن ملك طروادة. وللتأثير على قراره، أغرته هيرا بالسلطة، ووعدته أثينا بالحكمة والمجد، وقالت له أفروديت إنها ستهبه أجمل نساء الأرض، ففضل الأخيرة وأعطاها التفاحة ليغضب بذلك الربتين الأخريين.
حققت أفروديت وعدها لباريس، وأخذته إلى طروادة من جديد، وقدمته إلى أهله الذين ابتهجوا بعودته أميراً. ولتوفي دينها أرسلته إلى إسبارطة، فاستغل غيبة ملكها منيلاوس وأغوى زوجته هيلين التي فاقت كل نساء الدنيا جمالاً، وهرب بها إلى طروادة. انقسمت الآلهة فساعد بعضهم اليونانيين وساند بعضهم الآخر الطرواديين، وكانت المعركة الشهيرة.
أسطورة البندقية
ومدينة البندقية هى إحدى المدن الشهيرة فى التراث والأدب العالمى، والتى تحمل اسمها رائعة الأديب البريطانى الشهير وليم شكسبير، وكانت البندقية “أسطورة الأساطير” بفضل أهميتها الاقتصادية وسيطرتها البحرية، على مر السنوات مركزاً ثقافياً مهماً، ونشأ فيها الكثير من المبدعين فى مجال الفنون، مثل جوفان بلينى، وجورجونيه، ورونيزا، وتيستان، وغيرهم.
تقول الأسطورة الشعبية إن مدينة البندقية تلك التحفة العائمة، تأسست على يد ثلاثة من المبعوثين من مدينة “بودوفا” المجاورة لإقامة محطة تجارية هناك، وتقول الأسطورة أيضاً أن على الزائر لمدينة البندقية للمرة الأولى أن يأتي بصحبة زوجته لا خطيبته ولا صاحبته لأن الزيارة لن تنتهي بالزواج لشدة ما فيها من إغراء.
ووفقا لموقع “theveniceinside” تم تحديد موعد التأسيس الرسمى للبندقية في 25 مارس عام 421، وفقًا للأسطورة، وكان هذا هو التاريخ الذي تم فيه وضع الحجر الأول لكنيسة سان جياكومو دي ريالتو، والمعروفة أيضًا باسم سان جياكوميتو، وتم بناؤه من قبل نجار، في وسط حريق كبير تعهد إلى سان جياكومو، ثم هرب دون أن يصاب بأذى واحترم النذر بإقامة هذه الكنيسة باسم القديس.
كسر أنف أبو الهول
من بين أبرز الأساطير حول قصة أبو الهول وأكثرها انتشاراً ما تردد حول كسر أنفه، إذ يعتقد أن أبو الهول كانت لديه أنف طويلة يبلغ عرضها نحو متر، لكنه فقدها، وتزعم الأساطير بأن الحملة الفرنسية هي السبب في فقدان الأنف، عند دخولها لمصر عام 1798، وظهرت في ما بعد صور في كتاب “الرحلة إلى مصر والنوبة” للمستكشف الدنماركي فريدريك لويس نوردين (1708- 1742) قبل الحملة الفرنسية، تظهر أبو الهول بلا أنف.
بينما اتهم المؤرخ تقي الدين المقريزي، شخصاً يدعى “صائم الدهر” بكسر أنف أبو الهول، لأنه كان يرفض حالة التقديس والاهتمام التي يكنها المصريون للتمثال، وذلك في القرن الخامس عشر الميلادي.
كما ذكر الباحث في مجال الآثار محمود حجاج أن رحالة مقدسياً ذكر في كتاباته خلال القرن العاشر الميلادي أن أبو الهول كان بلا أنف. وذهبت توقعات أخرى إلى احتمال سقوط الأنف بسبب عوامل التعرية والأمطار، أو نتيجة ضعف الأنف وكسرها نتيجة ممارسة رياضة الرماية بالقرب منه أثناء حكم المصريين القدماء.



