تقارير وتحليلات

“الوحش الصغير” على قائمة الممنوعات.. “الاسكوتر الكهربائي” من أمل في حل الزحام إلى خطر يهدد الشوارع

لم يتخيل أحد أن الاسكوتر الكهربائي المعروف بـ”الوحش الصغير”، الذي اجتاح شوارع القاهرة والجيزة قبل نحو عامين كرمز للحداثة والتنقل الذكي، سيجد نفسه اليوم في مواجهة قرارات المنع، فالمركبة التي بشّر بها كثيرون كأمل لحل أزمة الزحام والتلوث، تحولت فجأة إلى “متهم” رئيسي في قضايا الحوادث بعدما فقدت الشوارع السيطرة على انتشارها بشكل عشوائي.

إن قرار محافظتي القاهرة والجيزة بإغلاق محال بيع وتأجير الاسكوتر الكهربائي لم يكن مجرد إجراء إداري، بل إشارة حاسمة على بداية معركة تنظيم سوق الاسكوتر الكهربائي في مصر.. معركة تتقاطع فيها اعتبارات الأمن والسلامة بالقوانين الغائبة والمصالح الاقتصادية لمستوردين وتجار ومستثمرين ضخوا ملايين الجنيهات.

البعض يرى أن القرار خطوة ضرورية لتقنين الأوضاع وفرض التراخيص تمهيدًا لدمج “الاسكوتر” رسميًا في المنظومة المرورية، بينما يحذّر آخرون من أنه قد يجهض مشروع التنقل الكهربائي قبل أن يكتمل، خاصة في ظل تصاعد دعوات دولية ومحلية لتشجيع النقل النظيف والتحول الأخضر.

وبين مؤيد يرى القرار حماية للأرواح ومعارض يخشى أن يهدر فرصة اقتصادية واعدة، تطرح الأسئلة نفسها بإلحاح: هل ما حدث في القاهرة والجيزة سيكون مقدمة لتعميم الحظر في باقي المحافظات؟ وهل نحن أمام “منع مؤقت” أم “تنظيم دائم” يعيد رسم خريطة المواصلات في مصر؟

آراء متباينة: هل هو خلاص من الجشع أم “خراب بيوت”؟
تباينت آراء المواطنين حول قرار حظر الاسكوتر الكهربائي. خميس محمد، أحد المعارضين، أشار إلى أن دوافع الشراء كانت اقتصادية بالأساس: “اشتريناه لأولادنا عشان نهرب من جشع المواصلات.. المشوار اللي كانت تكلفته 15 جنيه صاحب التاكسي بيطلب 50 جنيه”، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الوقود وتعديل تعريفة الركوب.
ويطالب خميس بمحاسبة المخالف أو من يرتكب خطأ، وليس اتخاذ قرار بالمنع نهائيًا، واصفًا الحظر بأنه “خراب بيوت”.

وتؤكد مدربة الاسكوتر، مريم أشرف، أن الإقبال على التدريب لتعلُّم قيادة الاسكوتر يشهد تزايدًا مستمرًا مع زيادة البحث عن وسائل مواصلات اقتصادية وسريعة، مشيرة إلى أنه وسيلة مواصلات مناسبة لكل الفئات.

على النقيض، يرى محمد رمضان أن قرار حظر سير وبيع الاسكوتر الكهربائي صائب، واصفًا إياه بأنه “من أسوأ الاختراعات خاصة في ظل تسببه في مشكلات وحوادث كثيرة، والبعض يستخدمه في جرائم السرقة”.
ويتفق معه الرأي آية مصطفى، التي أكدت تعرُّض ابنها لحادث سرقة بسبب الاسكوتر، قائلة: “ابني نزل يشتري طلبات من السوبر ماركت، وفجأة هاجمه شابين راكبين اسكوتر، خطفوا منه الفلوس وهربوا… الوضع بقى مرعب”.

الأسباب وراء القرار
رغم عدم توافر إحصائيات دقيقة عن عدد الحوادث الناتجة عن انتشار الاسكوتر، إلا أن محافظة الجيزة أكدت أنها تلقت شكاوى كثيرة من المواطنين عن وقوع حوادث نتيجة استخدام الأطفال له، بالإضافة إلى ما يسببه من مخاطر على حياة من يقوده أو حتى على المارة.

عالميًا، تتفق الدراسات مع المخاوف المحلية، فوفقًا لدراسة حديثة أعدتها جامعة شالمرز للتكنولوجيا في السويد، فإن القيادة المتهورة تعد السبب الرئيسي لمعظم الحوادث المرتبطة بالاسكوتر.
وأشارت الدراسة إلى أن أكثر عوامل الخطر تمثلت في ‏القيادة بيد واحدة، أو أثناء التحدُّث في الهاتف المحمول، أو التحرك في مجموعات كبيرة، كما أن 87% من المستخدمين لا يرتدون خوذة أثناء القيادة. وقد أوصت الدراسة بضرورة تحديد مسارات خاصة للاسكوتر، وفرض حد أقصى للسرعة لا يتجاوز 20 كيلومترًا في الساعة، مع فرض غرامات على المخالفين.

وجهة نظر الخبراء
يؤكد الخبير المروري اللواء أحمد هشام، أن انتشار الاسكوتر بشكل عشوائي يهدد حياة المواطنين وسلامتهم، مشيرًا إلى أن غياب شروط الأمن والسلامة لقائده أدى إلى ارتفاع معدلات الحوادث.
وأشاد بقرار إغلاق محلات تأجير وبيع الاسكوتر، مؤكدًا أن الهدف هو حماية المواطنين من مخاطر الحوادث التي قد تصل إلى الوفاة.

وأوضح أنه سيتم غلق المحلات المخالفة واتخاذ الإجراءات القانونية ضد أصحابها. وفي حال تسبّب قائد الاسكوتر في حادث سير، فإن ولي الأمر سيُحاسب إذا كان عمر القائد أقل من 12 عامًا، بينما يُحال من يتراوح عمره بين 12 و18 إلى مراكز الإصلاح، أما مَن تجاوز عمره 18 عامًا فسيُحال إلى المحكمة الجنائية.

فرصة اقتصادية ضائعة: هل يجب ترخيصه كـ”التوك توك”؟
من جانبه، يقول أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية الدكتور حمدي عرفة، إن عدم ترخيص الاسكوتر الكهربائي يؤدي إلى إهدار إيرادات ضخمة على الدولة، تتمثل في رسوم التراخيص والمخالفات المرورية.

ويؤكد عرفة ضرورة أن يعامل قانون المرور المصري الاسكوتر معاملة الدراجة النارية أو التوك توك، إذ يجب ترخيصه رسميًا قبل استخدامه في الطرق العامة، وأن يكون لكل اسكوتر خط سير محدد معتمد من إدارة السرفيس.

الاسكوتر يعد أحد مظاهر الاقتصاد الموازي في مصر، إذ يوفر فرص عمل ومصدر دخل جيد للشباب، حال تنظيم سيره بالشوارع. هذا التزايد في الإقبال دفع الهيئة العربية للتصنيع في مصر لتصنيع الاسكوتر الكهربائي محليًا لأول مرة في فبراير 2024.

وفي هذا الصدد، يؤكد رئيس مصنع قادر للصناعات المتطورة، اللواء عمرو عبدالعزيز، أن قرار محافظتي القاهرة والجيزة سليم ويهدف بالأساس إلى تقنين وضع الاسكوتر الكهربائي وليس منعه. مشيرًا إلى أن المصنع يستعد حاليًا لاستكمال إجراءات التسجيل الصناعي والحصول على رخصة كاملة، والسماح بترخيصه للسير في الشوارع بأوراق رسمية، مؤكدًا أن الهدف هو تنظيم السوق مثل “الموتوسيكل”.

قرار المنع الأخير هو خطوة نحو تنظيم شامل، لإعادة دمج “الوحش الصغير” في الشارع المصري، ولكن هذه المرة بضوابط صارمة تضمن سلامة المواطنين والحفاظ على هذه الوسيلة العصرية والواعدة للنقل النظيف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى