من غزة إلى كييف وبودابست.. ترامب يستغل نجاح قمة شرم في إنهاء حرب أوكرانيا

في مشهد غير مألوف حتى في أكثر فترات السياسة الأمريكية ديناميكية، قضى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسبوعًا واحدًا يوازن بين ملفات شديدة التعقيد على الساحتين الشرق أوسطية والأوروبية.
بدأ ترامب رحلته من الشرق الأوسط، حيث وقع وثيقة إنهاء الحرب على غزة خلال قمة شرم الشيخ للسلام، ثم اختتم الأسبوع بلقاء حاسم في البيت الأبيض مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطوة تمهّد لمحاولة جديدة لكسر الجمود في الحرب الروسية الأوكرانية.
وبحسب تقرير مطوّل بثّته شبكة سي إن إن الأمريكية، فإن ترامب يسعى لاستثمار الزخم الدبلوماسي الذي حققه في الشرق الأوسط، وهو ما وصفته الشبكة بأنه “العنصر الأصعب في السياسة الدولية”.
زخم من الشرق الأوسط إلى قلب أوروبا
بعد 36 ساعة مكثفة في الشرق الأوسط، خرج ترامب وهو يشعر بأنه حقق إنجازًا لم يكن أحد يعتقد أنه ممكن: وقف الحرب على غزة.
في البيت الأبيض، وأمام عدسات الصحافة العالمية، قال:“أعتقد أننا نتمتع بزخم كبير ومصداقية كبيرة. كان إنجاز الشرق الأوسط بالغ الأهمية… لم يظن أحد أنه يمكن إنجازه، وأنجزناه”.
هذا الشعور بالزخم لم يكن خطابًا بلاغيًا فقط؛ بل تحول إلى إستراتيجية.
فالرئيس الأمريكي يخطط للقاء قريب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بودابست، عاصمة المجر، في محاولة لإحداث اختراق دبلوماسي في واحدة من أعقد الأزمات الجيوسياسية المعاصرة.
لكن الطريق نحو كييف وموسكو ليس معبّدًا كما كان نحو غزة.
فبينما تمكن ترامب من ممارسة نفوذ مباشر على إسرائيل، لا يمتلك نفس النفوذ على روسيا أو الصين، وهما قوتان نوويتان لا تعتمدان على واشنطن لا عسكريًا ولا ماليًا.
شكوك الحلفاء
قال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون كبار للشبكة إنهم لا يتوقعون أن يؤدي نجاح ترامب في الشرق الأوسط إلى أي تغيير فوري في إستراتيجية موسكو أو بكين.
لكنهم يدركون في الوقت نفسه أن قدرة ترامب على كسر الجمود في غزة يمكن أن تعيد رسم قواعد اللعبة إذا ما استُثمرت جيدًا.
ويشير التقرير إلى أن تجربة غزة كانت بمثابة تذكير بأن الجهود الدبلوماسية قد تفشل مئات المرات قبل أن تنجح مرة واحدة.
واستشهدت “سي إن إن” بما قاله الدبلوماسي الأمريكي الراحل جورج ميتشل بعد وساطته في اتفاق الجمعة العظيمة في أيرلندا الشمالية: “لقد مررنا بـ700 يوم من الفشل ويوم واحد من النجاح.”
مفاوضات سريعة بتفاصيل عالقة
يعتمد ترامب، بحسب التقرير، على أسلوب الحركة السريعة حتى مع بقاء تفاصيل الاتفاق غامضة.
فقد وافق مؤخرًا على لقاء مباشر مع بوتين في بودابست، رغم أن ملامح اتفاق السلام في أوكرانيا لا تزال بعيدة عن الوضوح.
لكن حلفاءه في أوروبا يعتقدون أن نجاح أي مفاوضات مع موسكو يتطلب أكثر من الزخم الدبلوماسي؛ بل يتطلب أدوات ضغط حقيقية – مثل العقوبات الجديدة أو تسليح أوكرانيا بأسلحة نوعية.
وهي أدوات يبدو أن ترامب حتى اللحظة لا يميل لاستخدامها بقوة.
بين التهديد بالحرب والحوافز للسلام
تقول سي إن إن إن ترامب قد يلجأ إلى تقديم حوافز محدودة لإقناع بوتين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهي حوافز أقل بكثير من تلك التي قدمها لإسرائيل خلال مفاوضات غزة.
وفي المقابل، لمح ترامب إلى احتمالية إرسال صواريخ توماهوك بعيدة المدى، والتي يبلغ مداها ألف ميل، إلى أوكرانيا، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة لإظهار القوة وليس قرارًا نهائيًا بالتسليح.
لكن خلال لقائه بزيلينسكي في البيت الأبيض، قال ترامب بوضوح:“نأمل ألا يحتاجوا إليها… نأمل أن نتمكن من إنهاء الحرب دون التفكير في صواريخ توماهوك.”
زيلينسكي بين الأمل والضغط
الرئيس الأوكراني وصل إلى واشنطن وهو يأمل في أن يخرج من اللقاء بضمانات واضحة لدعم عسكري أكبر، لكنه اصطدم بحذر ترامب. حتى إن زيلينسكي رتّب اجتماعات مع ممثلين من شركة رايثيون تكنولوجيز، المصنعة لصواريخ توماهوك، لمناقشة احتياجاته الدفاعية.
ورغم هذه الجهود، خرجت المؤشرات بأن البيت الأبيض لا ينوي التصعيد العسكري، بل يسعى إلى فتح باب التفاوض.
ترامب نفسه كتب على منصته للتواصل الاجتماعي أنه “آن الأوان لأن تنهي روسيا وأوكرانيا هذه الحرب”، في إشارة واضحة إلى استراتيجيته التفاوضية.
بوتين.. مفتاح السلام أم عقدة الحرب؟
ترامب يعوّل على ما يصفه “رغبة بوتين في إنهاء الحرب”. لكن مسؤولين أمريكيين يرون أن مجرد رغبة الطرفين ليست كافية؛ فالحرب الروسية الأوكرانية تختلف جذريًا عن الصراع في غزة، من حيث حجم القوى المنخرطة والمصالح الإستراتيجية العالمية.
وإذا أراد ترامب تحقيق اختراق حقيقي، فعليه أن يتعامل مع معادلة أعقد بكثير: طرفان نوويان، تحالفات عسكرية متشابكة، وأزمة طاقة واقتصاد عالمي يراقب المشهد.
من شرم الشيخ إلى بودابستلم يكن توقيع وثيقة السلام في غزة سوى البداية. فالموعد المقبل في بودابست قد يكون لحظة فارقة في مسار السياسة الدولية.
وإذا تمكن ترامب من استثمار زخم شرم الشيخ في مفاوضات أوكرانيا، فقد يدخل التاريخ بوصفه الرئيس الذي أوقف حربين في عام واحد.
أما إذا فشل، فقد يثبت أن الشرق الأوسط — على صعوبته — ليس سوى اختبار تمهيدي أمام معركة دبلوماسية أكبر بكثير.
خاتمة:
بين الدبلوماسية السريعة والحسابات الثقيلة، يقف دونالد ترامب أمام اختبار مزدوج: هل يستطيع تحويل إنجازه في غزة إلى نموذج لحل أزمات عالمية أخرى؟ أم أن الزخم السياسي الذي يراهن عليه سيتبدد عند أول عقبة روسية؟
الإجابة ستتضح في بودابست.. حيث تنتظر الحرب في أوكرانيا أول مفاوضات مباشرة من نوعها منذ شهور طويلة.