تقارير وتحليلات

صراع الكبار في أفغانستان.. أمريكا تخطط للعودة إلى قاعدة باجرام وروسيا ترسم “الخط الأحمر”

 

على وقع التوتر المتصاعد والمصالح المتضاربة في آسيا الوسطى، تجددت فصول المواجهة الجيوسياسية بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة وروسيا، وهذه المرة، تلوح في الأفق ملامح صراع جديد على رقعة الشطرنج الأفغانية، وتحديداً حول القاعدة العسكرية الأسطورية “باجرام”.
في تحذير مدوٍ ومباشر، أعلنت موسكو موقفها الذي يرقى إلى مستوى “الخط الأحمر”، إذ شدد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على أن بلاده تعتبر أي وجود عسكري أجنبي جديد في أفغانستان أو في الدول المجاورة لها “غير مقبول بتاتًا وتحت أي ذريعة”.
ولم يأتِ هذا البيان من فراغ، بل جاء رداً صريحاً على تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ملوّحاً فيها بإمكانية استعادة الولايات المتحدة لقاعدة باجرام الجوية.
شبح “باجرام” يعود
تُعد قاعدة باجرام الجوية مجمعاً عسكرياً ضخماً يقع على بعد 50 كيلومتراً شمال العاصمة كابول، وتكتسب أهميتها من تاريخها كمحور عمليات رئيسي لكل من الاتحاد السوفيتي ثم الولايات المتحدة خلال فترتي احتلالهما لأفغانستان.
بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي في أغسطس 2021، أصبحت القاعدة في قبضة حركة طالبان.
لكن بعد أسابيع من التكهنات، أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب القاعدة إلى واجهة النقاش العالمي بتصريحه الحاد، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية تدرس بجدية خيارات استعادة القاعدة.
وفي لهجة تحمل تهديداً مبطناً، قال ترامب: “إذا لم تُعِد أفغانستان قاعدة باجرام الجوية إلى من بنوها، أي الولايات المتحدة الأمريكية، فستحدث أمور سيئة”.
يذكر التاريخ المشهد الذي لا يُنسى لانسحاب القوات الأمريكية في عام 2021 تحت إدارة الرئيس جو بايدن، عندما شاهد العالم مواطنين أفغاناً يركضون يائسين خلف الطائرات على المدرج.
يبدو أن إدارة ترامب تتذكر، بعد فوات الأوان، أن في خضم هذا الانسحاب، تم التغاضي عن أصل استراتيجي حيوي قد لا يكون من السهل التخلي عنه: قاعدة باجرام، التي أنفقت عليها الولايات المتحدة ما يزيد على 160 مليون دولار للتوسعة والتطوير على مر السنين.
موسكو ترسم خطوطها الحمراء
في المقابل، استغلت روسيا اجتماعاً رفيع المستوى استضافته موسكو، ضمّ ممثلين عن حكومة طالبان الأفغانية بالإضافة إلى قوى إقليمية مثل الصين والهند وإيران ودول آسيا الوسطى، لتثبيت موقفها الإقليمي ووضع حد لأي طموحات أمريكية متجددة.
خلال الاجتماع، كان لافروف واضحاً في تحذيره، مؤكداً أن نشر البنية التحتية العسكرية لأي “دولة ثالثة” على أراضي أفغانستان أو الدول المجاورة لها، هو أمر غير مقبول بتاتاً.
كما حذر لافروف من أن أي وجود عسكري من خارج المنطقة لن يؤدي إلا إلى “جلب المزيد من عدم الاستقرار”.
ينبع الموقف الروسي من حساسيات تاريخية عميقة شكّلها الصراع السوفيتي الطويل والمكلف في أفغانستان، الذي استمر عقداً من الزمن قبل انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي عام 1989.
صراع لم يخلّف وراءه عشرات الآلاف من القتلى فحسب، بل أسهم بشكل كبير في الانهيار النهائي للاتحاد السوفيتي. تسعى موسكو اليوم، إلى تجنب تكرار سيناريوهات التدخل الخارجي التي تهدد استقرار جوارها الجنوبي.
تعزيز العلاقات الروسية-الطالبانية
على النقيض من عزلة طالبان الدولية، كانت موسكو تسعى منذ عودتهم إلى السلطة في أغسطس 2021، إلى تعزيز علاقاتها مع كابول.
وقد توّج هذا التقارب بقرار جريء في يوليو الماضي، عندما أصبحت روسيا أول دولة تعترف رسمياً بحكومة طالبان وتشطبها من قائمة المنظمات المحظورة لديها، في خطوة لترسيخ مكانتها كقوة مؤثرة في آسيا الوسطى.
وخلال محادثات الثلاثاء، لم يكتفِ لافروف بالتصدي للنفوذ الأمريكي المحتمل، بل أبدى رغبة موسكو في توسيع التعاون التجاري والطاقة مع أفغانستان، وتعميق الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات. كما أدان وزير الخارجية الروسي بشدة العقوبات الغربية وتجميد الأصول الأفغانية الأجنبية، واصفاً إياها بأنها “عدائية وغير مجدية”.
من جانبه، أشاد وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي، الذي قاد وفد طالبان، بالتواصل الدبلوماسي لموسكو قائلاً: “نقدر الخطوة الجريئة من الاتحاد الروسي بالاعتراف رسمياً بإمارة أفغانستان الإسلامية. نتمنى أن تحذو جميع الدول حذوها”.
التوقعات المستقبلية: نزاع مؤجل
يُرجح أن يظل النزاع حول مصير قاعدة باجرام أمراً معلقاً ومؤجلاً، حيث تتمسك حركة طالبان بملكيتها للقاعدة بينما تواصل الولايات المتحدة دراسة “خياراتها”.
من الواضح أن هذه المواجهة الراهنة، سواء كانت كلامية أو قد تتحول إلى فعل، ستلقي بظلالها على مستقبل العلاقات الأمريكية الأفغانية وتؤثر بشكل مباشر على المصالح الاستراتيجية المعقدة في منطقة جنوب ووسط آسيا، التي باتت ساحة جديدة لتصفية الحسابات القديمة بين القوى العظمى.

هل يمكن للولايات المتحدة أن تجازف بعلاقاتها مع القوى الإقليمية، خاصة روسيا، من أجل استعادة قاعدة عسكرية هجرتها سابقاً؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى