تقارير وتحليلات

شهادات الصدمة.. كيف حطمت حرب أكتوبر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر في الوجدان الإسرائيلي؟

بعد مرور عقود على حرب السادس من أكتوبر عام 1973، تتكشف المزيد من فصول “الكابوس غير المتوقع” الذي ضرب العمق النفسي والعسكري لإسرائيل، وأفضى إلى تحرير كامل الأراضي المصرية.

لم يقتصر تأثير الانتصار الساحق للقوات المسلحة المصرية على الجغرافيا فحسب، بل خلف صدمات نفسية لا تُحصى لدى آلاف الجنود الإسرائيليين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في ملحمة حطمت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.

وفي شهادات مؤثرة نشرتها القناة الـ12 الإسرائيلية، يروي جنود الاحتياط والمقاتلون تفاصيل الانهيار المفاجئ للجبهات، والمشاهد القاسية التي ما زالت تطاردهم حتى اليوم، واصفين تلك الحرب بـ “الكارثة المُرّة”.

صدمة “الدبابات العائدة”: تحول لون الشعر في لحظة واحدة
يروي نجل الجندي يوآف فريدمان، التابع لسلاح القوات الجوية، قصة والده الذي استُدعي للمشاركة في الحرب وغاب لمدة شهر. لكن العودة كانت مختلفة تمامًا.

يقول الابن إن والده ذهب إلى الحرب بشعر أسود، وعاد وشعره أبيض تمامًا. وعندما سُئل عن سر هذا التحول الجذري، أكد فريدمان أن اللحظة الحاسمة كانت عندما رأى الدبابات الإسرائيلية تتجه شمالًا نحو إسرائيل وهي مُحمّلة على سلاسل وليس على ناقلات دبابات، ما جعله يدرك أن البلاد “ضاعت”.
كانت تلك اللحظة التي تحول فيها لون شعره “من اللون الأسود إلى اللون الأبيض من شدة التوتر”.

وأشار نجل فريدمان إلى أن الصدمة التي خلفتها حرب 73 جعلت الإسرائيليين يدركون أن “الغطرسة التي كانت منتشرة وقتها لم تكن جيدة نهائيًا”.

التلة الملعونة: رائحة اللحم المتفحم وانهيار الجبهات
بالنسبة لجنود القوات الخاصة، كان الانهيار أسرع وأكثر مرارة. يكشف الجندي جادي سوكنيك من سلاح البحرية، الذي كان يخدم في السرب الثالث عشر، عن فشل تكتيكي واسع، مؤكدًا أن المعدات المجهزة للهجوم، من غواصات صغيرة وزوارق سريعة وغواصات انتحارية، “سقطت جميعًا واحدة تلو الأخرى” خلال فترات الحرب.

ووصف سوكنيك انهيار الجبهات بأنه الأسوأ، مشيرًا إلى “تخلي القيادة السياسية عنهم على خطوط الحدود المختلفة وتركهم لمصيرهم من قبل صناع القرار ‘الفاشلين'”، وهو ما أفضى إلى آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والصدمات النفسية.

أما الجندي يرمي أمير، الذي خدم في سلاح المدرعات، فكشف عن صورة لن ينساها أبدًا من معركة المزرعة الصينية، التي مُنيت فيها قوات الاحتلال بخسائر فادحة.
وصف أمير المشاهد بأنها الأكثر قسوة: “الوجوه محترقة، وأطراف متدلية، وبقع دماء منتشرة على رمال الصحراء الجافة، بينما كان الهواء ممتلئًا برائحة اللحم البشري المتفحم”.

ومع صدور أمر الانسحاب، اندفع الجنود للهروب مما وصفه بـ “التلة الملعونة”، تاركين خلفهم القتلى والجرحى تحت وابل المدفعية المصرية، ليختبئوا خلف دباباتهم المحترقة، مؤكدًا أنه “خرج من الحرب، لكن الحرب لم تخرج منه”.

من ميدان الرماية إلى الذكريات الكابوسية
تتفق الشهادات على أن الهجوم المصري مثّل مفاجأة ساحقة لم يستعد لها الجيش الإسرائيلي:

شراجا باناي (لواء جولاني): ما زال يقف ساكنًا عندما يسمع أصوات صفارات الإنذار. يصف اللحظات الأولى بـ “إلقائه مباشرة في جحيم القتال”، حيث شعروا بأنهم كانوا “عبارة عن بط في ميدان الرماية”، نتيجة تساقط القذائف من حولهم وضرب الدبابات بصواريخ صقر المصرية الكثيفة.

ميمون أسولين (مقر القيادة الجنوبية): روى المشاهد الصادمة التي شاهدها عند وصوله لسيناء في فرق الاحتياط، حيث “انهمر وابل من القنابل في كل مكان، من 4 طائرات ميج مصرية عليهم”.
كما كانت جثث جنود الاحتلال مغطاة على جانب الطريق، والمركبات وناقلات الجند المدرعة “تحترق عن بكرة أبيها”، بينما كانت طائراتهم “تنفجر في الجو وتسقط على الأرض مشتعلة كشموع عملاقة”.

تؤكد هذه الشهادات، التي ظلت تفاصيلها مُخبأة لسنوات، عمق الصدمة والتحول الجذري الذي أحدثه انتصار أكتوبر في الوعي الجمعي والأسطورة العسكرية الإسرائيلية، كاشفًا الثمن الباهظ للغطرسة وسوء التقدير الاستراتيجي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى