الذكاء الاصطناعي يُهدد عرش الإبداع البشري.. ممثلة “افتراضية” ومخرج آلي يشعلان الجدل حول مستقبل الفن

لم يعد الذكاء الاصطناعي (AI) مجرد تقنية مساندة في الكواليس الفنية، بل تحوّل إلى منافس مباشر للإنسان، بعد أن وصل إلى مرحلة “صنع ممثلة” تُجسّد أدوارًا على الشاشة و”مخرج افتراضي” يوجّه الكاميرا من دون وجود بشري حقيقي خلفها.
الضجة التي أثارتها “ممثلة الذكاء الاصطناعي” تيلي نوروود، لم تكن سوى البداية. تجدد الجدل بقوة مع إعلان المنتج الإيطالي أندريا إيرفولينو عن مشروعه السينمائي القادم، الذي سيتولى إخراجه مخرج يعتمد كليًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا التحول الجذري فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات حول مصير الإبداع البشري، وحدود تدخل التقنية في الفن.
حنان مطاوع تُدين “سرقة” الرموز الفنية
في مصر، لم تتوقف الأزمة عند حدود العالمية، بل كان لها أصداء محلية قوية دفعت فنانين للاستغاثة من استغلال صور وأصوات الرموز الفنية عبر الذكاء الاصطناعي.
خرجت الفنانة حنان مطاوع عن صمتها معلّقة على انتشار مقطع فيديو مُصمم بهذه التقنية، ظهر فيه عدد من النجوم الراحلين مع أبنائهم، ومن بينهم هي ووالدها الفنان الراحل كرم مطاوع.
وعبّرت مطاوع عن رفضها التام، قائلة: “من الرائع أن تُستخدم التكنولوجيا فيما يفيد، لكن ما يحدث الآن هو سرقة وانتهاك للحقوق وسلب لحقي في الموافقة أو الرفض”. وأكدت: “أرفض تمامًا استخدام شكلي أو صوتي أو صور والدي ووالدتي في أي عمل فني أو إعلامي أو صحفي دون موافقتي الكتابية”.
بين مؤيد يرى في الذكاء الاصطناعي وسيلة لتسهيل العمل الفني، ورافض يعتبره انتهاكًا للهوية، يظل السؤال قائمًا: هل نحن أمام مستقبل يتقاسم فيه الإنسان والآلة صناعة الفن؟ أم أن الروح ستبقى الحاجز الأخير الذي لا يمكن للذكاء الاصطناعي تجاوزه؟
طارق الشناوي: توسع بلا روح والوجدان هو خط الدفاع الأخير
يرى الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، رغم جاذبيتها الأولية، لن تستطيع أن تحل محل الإنسان في الإبداع.
وقال الشناوي: “ما يقدمه الذكاء الاصطناعي مثير في بدايته… لكن مع مرور الوقت يتم تقليص أثره”. وأوضح أن الذكاء الاصطناعي دخل بالفعل مجالات فنية واسعة، مثل إعادة إحياء رموز فنية كـ أم كلثوم وعبد الحليم بتقنيات متقدمة، مؤكداً: “سيحدث توجه ضخم جدًا في استخدامات الذكاء الاصطناعي في كثير من الصناعات، لكن رغم هذا التوسع سيظل هناك نقص في الروح والإبداع البشري”.
وشدد الشناوي على أن الإبداع قائم على الوجدان، مؤكداً: “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجمع المفردات، لكنه لا يستطيع أن يمنحها روحًا، فلا يوجد وجدان صناعي”.
وعلّق على استياء الفنانة حنان مطاوع من استخدام صورها وصور والدها، قائلاً: “بالتأكيد سيحدث انتهاك للحقوق الفكرية من خلال الذكاء الاصطناعي، وكلها خروقات للقانون، وستواكب ذلك موجة من التشريعات لكبح جماح هذه التقنية ومنع إساءة استخدامها”. وتوقع الشناوي وضع قوانين رادعة، على غرار ما حدث في مطلع القرن العشرين لحماية حقوق الملكية الموسيقية.
علي إدريس: لا خوف من الاستبدال والأفضل هو ما يسهل الحياة
على النقيض من الحذر، رحّب المخرج علي إدريس باستخدام الذكاء الاصطناعي، واصفاً إياه بأنه قد يقدم “منتجًا أفضل”.
وقال إدريس: “مع الإعلان عن تولي مخرج افتراضي إخراج فيلم، قد نرى نتيجة مبهرة”. ولا يرى إدريس أي خوف على المهنة من الاستبدال: “نحن نواكب التطور العلمي، ولا يمكن أن نلغي التكنولوجيا… الناس لن تتخلى عن الطائرة لتعود للسفر بالجمال، فالأفضل دائمًا هو ما يسهل حياة البشر”.
ويرى إدريس أن الممثل والمخرج الافتراضيين قد يمتلكان رؤية مختلفة، لأنهما “سهلا التطويع ولا يمتلكان مطالب”، ومتاحان في أي وقت. وأشار إلى أن التطور لا يعني النهاية بل التحول، موضحاً: “في الماضي كانت هناك مهنة النيجاتيف في صناعة السينما، لكنها انقرضت مع التطور الرقمي، وظهرت مهن أخرى أكثر تخصصًا”.
هل يفوز الإنسان بالروح أم تخسر الآلة بالوجدان؟
بينما يرى البعض في الذكاء الاصطناعي أداة لتوفير الوقت وحل المعضلات العقلية، يصر آخرون على أن الإضافة الجمالية والروحية ستظل حكراً على الوجدان البشري. ومع إطلاق أول “ممثلة افتراضية” وتصاعد الدعوات لسن قوانين رادعة لحماية حقوق الملكية الفنية، يظل قطاع الفن العالمي والمصري أمام مفترق طرق تاريخي. فهل سينتصر الإنسان “بمساعدة الآلة” كما يرى الشناوي، أم أن التطور التكنولوجي سيقود إلى ظهور أعمال فنية “أفضل بكثير” كما يأمل إدريس؟ المعركة بين العقل والوجدان في صناعة الإبداع بدأت للتو.