صراع العمالقة.. تفاصيل الانقسام داخل “حماس” حول “صفقة ترامب” لغزة

في أروقة العواصم التي تدير خيوط المفاوضات الشائكة لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين في قطاع غزة، ألقت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية الضوء على مشهد داخلي مضطرب وغير متوقع داخل حركة حماس.
ففي الوقت الذي كان العالم ينتظر فيه ردًا موحدًا ونهائيًا على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام المكونة من 21 بندًا، كشفت الصحيفة عن صراع خفيّ، ولكنه كبير، بين القيادة السياسية للحركة في الخارج، التي تميل للمرونة، والجناح العسكري القوي في الداخل، الذي يتمسك بأوراق الضغط الاستراتيجية.
جاء رد الحركة الرسمي إلى الوسطاء العرب ليؤكد هذا المشهد المعقد، حيث أعلنت حماس عن قبولها لأجزاء أساسية من خطة ترامب، معلنةً ترحيبها بالجهود الأمريكية.
لكن هذا القبول لم يكن مطلقًا، بل كان مشروطًا بجملة من الضمانات الصارمة، أبرزها ربط البند الأكثر حساسية في المبادرة – وهو إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين – باتفاق شامل.
شروط الحسم: “جدول زمني واضح” للانسحاب و”ضمانات دولية” لوقف الحرب
أكدت حماس بوضوح في ردها أن مصير المحتجزين مرتبط ارتباطًا وثيقًا بـ”جدول زمني واضح” لانسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من القطاع، إلى جانب ضمانات دولية بوقف دائم لإطلاق النار، وآليات ملزمة لمنع أي خرق مستقبلي من قبل تل أبيب.
هذه الشروط تعكس محاولة القيادة السياسية لتحويل ورقة المحتجزين من هدف فوري إلى أداة لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة الأمد.
لكن العائق الأكبر أمام حسم الموقف لا يزال يتمثل في الانقسام الداخلي الحاد. تشير “وول ستريت جورنال” إلى أن القيادات السياسية في الدوحة ترى في المبادرة فرصة حقيقية لإنهاء معاناة المدنيين وإعادة إعمار غزة المدمرة.
في المقابل، يخشى الجناح العسكري في غزة، الأكثر تشدداً، من أن يؤدي القبول الكامل لخطة ترامب إلى فقدان أوراق ضغط استراتيجية على إسرائيل، خاصةً فيما يتعلق بملف نزع السلاح.
مأزق السلاح والمقاتلين الجدد: خلافات حول “الأسلحة الدفاعية” و”الاستسلام”
يُعد ملف نزع السلاح وشروط إطلاق المحتجزين السببين الرئيسين في الخلافات الداخلية، وفقًا لمسؤولين عرب.
وكشفت الصحيفة عن وجود تباين صارخ في المواقف:
الموقف السياسي (الدوحة):
يميل كبير المفاوضين، خليل الحية، وعدد من كبار المسؤولين السياسيين، إلى قبول المقترح رغم تحفظاتهم الكبيرة. غير أن تأثير هؤلاء القادة، المقيمين خارج غزة، يبدو محدودًا على الجناح العسكري الذي يتحصن في القطاع.
الموقف العسكري (غزة):
أظهر القائد الجديد للحركة في غزة، عز الدين الحداد (الذي تولى القيادة بعد اغتيال يحيى ومحمد السنوار)، انفتاحًا حذرًا على التسوية. نقل الوسطاء أن الحداد مستعد للتنازل عن الصواريخ والأسلحة الهجومية الأخرى لتخزينها لدى الأمم المتحدة، لكنه يصر على الاحتفاظ بالأسلحة الصغيرة، مثل البنادق الهجومية، التي تعتبرها حماس دفاعية.
الخشية الأكبر لدى القادة العسكريين في غزة هي عدم قدرتهم على فرض الالتزام بمطالب نزع السلاح على مقاتليهم في حال قبلوا بصفقة “تعادل الاستسلام”. وتشير الصحيفة إلى أن الحركة جندت العديد من الشباب الذين فقدوا عائلاتهم ومنازلهم خلال الحرب، وهؤلاء المقاتلون الجدد قد يرفضون إلقاء سلاحهم.
نقاط الخلاف الأكثر إثارة للجدل و”هدنة الـ 72 ساعة”
تتمحور النقاط الأكثر إثارة للجدل في خطة ترامب حول:
نزع سلاح حماس بالكامل وتسليم أسلحتها.
الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين الـ 48 (أحياءً وأمواتًا) في غضون 72 ساعة من الموافقة على الخطة.
هذا البند الأخير هو ما دفع منتقدي الحركة لوصف المقترح بأنه “هدنة لمدة 72 ساعة” وليس اتفاق سلام حقيقيًا، ما يعكس انعدام الثقة العميق بإسرائيل. لذلك، أصر القادة العسكريون على أن أي إفراج للمحتجزين يجب أن يكون مرتبطًا بـ “جدول زمني واضح للانسحاب الإسرائيلي”، وهو ما انعكس في تحذير الحركة بربط الإفراج بتوفير “المواقع الميدانية اللازمة”.
ردود الفعل: نتنياهو متحفظ وتأجيل للحسم؟
جاء رد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، “مؤهلًا” وغير حاسم، حيث أعلن أن بلاده ستبدأ الاستعدادات لإطلاق سراح المحتجزين، وستعمل مع ترامب لإنهاء الحرب “وفقًا لشروط إسرائيل والرئيس”. بينما لم يلتزم الجيش الإسرائيلي بشكل محدد بوقف الهجمات، بل أشار إلى تحوله إلى موقف “أكثر دفاعية” واستعداده لإطلاق سراح المحتجزين.
يرى بعض المراقبين، وفقًا لـ”وول ستريت جورنال”، أن بيان حماس كان يهدف بالدرجة الأولى إلى كسب الوقت لتسوية التوترات طويلة الأمد بين جناحيها السياسي والعسكري. ورغم أن الحركة لم تحدد موقفًا واضحًا من جميع البنود، فإن قبولها ببعض النقاط الأساسية، مثل التهدئة طويلة الأمد والتفاوض على رفع الحصار، يشير إلى مرونة جديدة قد تفتح الباب أمام مسار سياسي مختلف، خاصة مع الضغوط الدولية المتزايدة.
هل سينجح الضغط السياسي والإنساني في حسم الموقف لصالح الصفقة، أم ستبقى شوكة المقاومة العسكرية عصية على الحل وتُبقي الانقسام قائمًا بشدة “حول كيفية المضي قدمًا”؟