في مواجهة التهديدات الروسية المتصاعدة.. ألمانيا تعيد بناء جيش جاهز للحرب

في خطوة استثنائية تعكس تسارع الجهود الأوروبية لبناء قدرات دفاعية ذاتية في ظل استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وتزايد الشكوك حول الالتزام الأمريكي المستقبلي، منحت ألمانيا صلاحيات واسعة وغير مسبوقة للمفتش العام للقوات المسلحة “بوندسفير”، الجنرال كارستن بروير، وذلك ضمن إعادة هيكلة جذرية لوزارة الدفاع الألمانية.
تهدف هذه الإصلاحات، التي دخلت حيز التنفيذ مطلع أكتوبر الجاري، إلى تحويل الجيش الألماني إلى “أقوى جيش تقليدي في القارة” قادر على تحقيق ما يسمى في برلين بـ “kriegstüchtig” (الجاهزية الكاملة للحرب)، وفقًا لوثيقة داخلية لوزارة الدفاع حصلت عليها صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية.
إنهاء “البيروقراطية” لسرعة الاستجابة
لإنهاء التشتت البيروقراطي الذي عانى منه الجيش الألماني لسنوات، صُممت إعادة الهيكلة لتجميع ثلاث إدارات منفصلة كانت تتنافس فيما بينها – وهي إدارات التخطيط العسكري، والجاهزية القتالية، والعمليات – في مديرية موحدة جديدة تحمل اسم “القوات المسلحة”.
تخضع هذه المديرية لقيادة الجنرال بروير المباشرة، مما يجعله “المسؤول التشغيلي الأول والأوحد” داخل الوزارة. هذه الصلاحيات الموسعة تهدف إلى تسريع عمليات التسلح والشراء وبناء القدرات العسكرية، ووضع حد للبطء والتداخل في خطوط القيادة التي أدت إلى تدهور جاهزية الجيش.
ويأتي هذا التحول بدعم مباشر من وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، حيث جعل المستشار الألماني فريدريش ميرز من بناء هذا الجيش رهانًا لمصداقيته السياسية.
دافع التحول.. مواجهة التصعيد الروسي وتقليص الاعتماد على واشنطن
تؤكد “بوليتيكو” أن توقيت هذا الإصلاح بالغ الأهمية، حيث يأتي كرد فعل عاجل على التهديدات الأمنية التي خلقتها روسيا في المنطقة. فرغم استمرار حرب موسكو المدمرة ضد أوكرانيا، اخترقت الطائرات المسيرة الروسية مؤخرًا المجال الجوي لحلف الناتو في كل من بولندا ورومانيا.
كما أن القلق الأوروبي يتزايد بسبب التصريحات الصادرة عن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أوضحت أن الدعم الأمريكي لأوروبا لم يعد ضمانًا مطلقًا. هذا الواقع الجديد يدفع برلين بقوة لتطوير قدرات ردع وقتال ذاتية لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة إلى أدنى حد ممكن.
مديريات جديدة للابتكار وجذب الجنود
لم تقتصر إعادة الهيكلة على صلاحيات بروير، بل شملت استحداث إدارات متخصصة لمعالجة أبرز التحديات التي تواجه الجيش الألماني:
1. مديرية الابتكار والأمن السيبراني: تهدف إلى جمع المشاريع الاستراتيجية المتقدمة تحت مظلة واحدة، بما في ذلك تطوير مقاتلة الجيل القادم (بالتعاون مع فرنسا وإسبانيا)، وبرامج الدفاع الفضائي، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني.
2. مديرية النمو: تعكس هذه التسمية التحدي الأكبر لألمانيا وهو نقص العنصر البشري. ستتولى هذه المديرية إدارة متكاملة لعمليات التجنيد، والتدريب، وتوفير السكن، بهدف زيادة عديد القوات بعشرات الآلاف من الجنود، معتمدة على نظام الخدمة الوطنية التطوعية.
وتختتم “بوليتيكو” بالتأكيد على أن ألمانيا ضخت بالفعل مليارات اليوروهات في قطاع الدفاع وتعهدت بقيادة الجهود الأمنية الأوروبية. لكن الصحيفة تشدد على أن هذه الأموال لن تجدي نفعاً ما لم تقترن بوزارة دفاع قادرة على اتخاذ قرارات سريعة وفعالة لضمان توفير الدبابات والطيارين والمحاربين السيبرانيين اللازمين لمواجهة التحديات الراهنة، وهو الهدف الأسمى لإعادة الهيكلة الجارية.