تقارير وتحليلات

سرقة “إسورة أمنموبي”.. كيف خرج الأثر النادر من قلب المتحف المصري بهذه السهولة؟

 

واقعة هزت الرأي العام وأثارت حالة من الغضب والدهشة، بعد الإعلان عن سرقة سوار ذهبي أثري من المتحف المصري بالتحرير، قبل أن تنجح أجهزة الأمن في القبض على المتورطين. لكن ما كشفته التحقيقات، وما أثاره خبراء الآثار حول تفاصيل الجريمة، يضع أسئلة كبيرة عن مدى تأمين المتاحف المصرية، وهل ما جرى يمثل حادثًا فرديًا أم يعكس أزمة أعمق في منظومة حماية التراث؟

القطعة الأثرية.. قيمة لا تُقدّر بثمن
القطعة المسروقة ليست مجرد سوار ذهبي، بل أثر نادر ينتمي للملك أمنموبي، أحد ملوك الأسرة 21 بالعصر الفرعوني المتأخر. الأسورة مصنوعة من قطعة واحدة من الذهب الخالص، مزينة بخرز كروي، وقيمتها التاريخية لا يمكن تقديرها بأي ثمن. خبير الآثار الدكتور أحمد عامر أوضح أن سعرها كذهب فقط يتجاوز 3.5 مليون جنيه، أما قيمتها كأثر فهي تقدر بملايين الدولارات.

ثغرات أمنية مقلقة
المفاجأة الكبرى أن عملية السرقة تمت من داخل معمل الترميم بالمتحف، وهو المكان الوحيد الذي يخلو من كاميرات المراقبة. غياب التأمين في هذه المنطقة الحساسة فتح الباب أمام المتهمة، وهي أخصائية ترميم، لتستغل موقعها الوظيفي وتنفذ الجريمة. “من يعرف كيف يسرق قطعة أثرية نادرة، هو شخص متخصص ومدرك تمامًا لقيمتها”، يقول عامر، مشيرًا إلى أن الحادثة تحمل بصمات “تشكيل عصابي” أكثر منها تصرف فردي.

بيع الأسورة.. جريمة مضاعفة
المتهمة سارعت لبيع الأسورة مقابل 180 ألف جنيه فقط، رغم أن قيمتها تعادل عشرات الأضعاف. الفيديو المتداول لبيع القطعة في أحد محال الذهب أظهر المشتري يفحصها قبل أن يقوم بقصها وصهرها، وهو ما أثار تساؤلات: كيف يمر أثر بهذا الشكل على تاجر ذهب دون أن يدرك أنه غير متداول في الأسواق؟ أعضاء في شعبة الذهب بالغرف التجارية أكدوا أن الواقعة لا يمكن أن تمر بسهولة، مرجحين أن أطرافًا أخرى كانت على علم بمصدرها.

غياب الرقابة.. أزمة متجذرة
الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، وصف ما حدث بأنه “فضيحة” تكشف عن قصور خطير في أنظمة المراقبة والتأمين داخل المتحف المصري. وأكد لـ”تليجراف مصر” أن غياب الكاميرات عن بعض الأقسام، وضعف أنظمة الدخول والخروج، يجعل القطع الأثرية عرضة للخطر. وأضاف: “نحن بحاجة إلى جرد شامل لكل المقتنيات الذهبية، وتوثيقها إلكترونيًا عبر نظام ذكي يتيح تتبعها منذ اكتشافها وحتى عرضها في المتاحف”.

### قضية رأي عام

الواقعة أثارت موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن ما جرى لا يمثل مجرد سرقة أثر، بل اعتداء على التراث المصري الذي يمثل ملكًا عامًا للشعب. وطالب خبراء بضرورة تقديم اعتذار رسمي للشعب، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الخلل، مع إعادة النظر جذريًا في منظومة تأمين وتوثيق الآثار.

### أزمة أكبر من قطعة واحدة

حادثة سرقة “إسورة أمنموبي” قد تبدو في ظاهرها جريمة فردية، لكنها تكشف عن أزمة أوسع في إدارة وحماية الكنوز الأثرية. فكيف يخرج أثر بهذه السهولة من قلب المتحف المصري، أحد أهم المتاحف في العالم؟ وهل ما حدث ينذر بوجود ثغرات يمكن أن تهدد مئات وربما آلاف القطع الأخرى؟

أسئلة تبقى معلقة، والإجابة عليها تتطلب إرادة سياسية، وإجراءات عاجلة تبدأ بجرد شامل، وأنظمة تأمين متطورة، وأجهزة رقابية مستقلة، حتى لا يتكرر المشهد الكارثي ويستيقظ المصريون يومًا على فقدان جديد لكنوز أجدادهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى