تقارير وتحليلات

أزمنة الخيانة والدم .. تفاصيل خطة نتنياهو لنسف الهدنة وإشعال الشرق الأوسط

 

خطوةٌ واحدة كانت كفيلةً بإشعال أزمةٍ دبلوماسيةٍ ودفع المنطقة نحو حافة الهاوية، حينما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يأخذ زمام المبادرة متجاوزًا حتى رؤساء أجهزة استخباراته العسكرية، موجهًا ضربةً جويةً دمويةً نحو قلب العاصمة القطرية الدوحة.
لم تكن الضربة مجرد عمليةٍ عسكريةٍ عابرة، بل كانت رسالةً واضحةً للجميع: لا أحد فوق الإرادة الإسرائيلية، حتى ولو كانت مصالحها الأمنية العليا على المحك، وحتى لو كان ذلك يعني حرق الجسور مع حلفاء استراتيجيين ووسطاء رئيسيين في مفاوضات حساسة.
وكشف تقريرٌ لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن نتنياهو هو من أصدر أمرًا مباشرًا بتنفيذ الهجوم الجوي على قياداتٍ من حركة حماس في الدوحة، رغم التحفظات القوية والمعارضة الصريحة من قبل كبار قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية، وعلى رأسهم جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد).
وكانت مخاوف هؤلاء القادة ترتكز على نقطتين أساسيتين: الأولى، أن أي عملٍ عسكريٍ في قطر قد يؤدي إلى تأزيم العلاقات مع وسيطٍ رئيسيٍ في مفاوضات الهدنة وتبادل المحتجزين.
الثانية، أن التوقيت كان خاطئًا، حيث كانت المفاوضات على وشك أن تسفر عن نتائج إيجابية.
وبحسب التقرير، فإن الموساد رفض المشاركة في العملية البرية المخطط لها، ورفض رئيسه ديفيد برنياع بشكلٍ قاطعٍ تنفيذ خطةٍ لاغتيال قادة حماس على الأراضي القطرية، معتبرًا أن هذه الخطوة ستُمزق العلاقة مع الدوحة.
هذا الرفض أثر بشكلٍ مباشرٍ على كيفية تنفيذ الضربة، التي تحولت من عمليةٍ أرضيةٍ محكمةٍ إلى هجومٍ جويٍ من مسافةٍ بعيدة، باستخدام 15 طائرة مقاتلة أطلقت 10 صواريخ.
أفادت حماس بأن الهجوم فشل في تحقيق هدفه الرئيسي، وهو اغتيال كبار مسؤوليها، بمن فيهم رئيسها خليل الحية.
وأسفر الهجوم عن استشهاد عددٍ من أقارب وأفراد من الوفد، بالإضافة إلى ضابطٍ قطري.
وحتى الآن، ترفض إسرائيل الكشف عن تقييمها العلني لنتائج العملية، لكن المصادر المقربة من العملية أكدت أن “إسرائيل لم تحصل على من تريد”.

تساؤلات حول التوقيت والدوافع
تطرح مصادر إسرائيلية ودولية تساؤلاتٍ عميقةً حول توقيت العملية ودوافع نتنياهو.
ففي الوقت الذي يتفق فيه مسؤولو الأمن الإسرائيليون على ضرورة ملاحقة قادة حماس، إلا أنهم اعترضوا على القيام بذلك في هذا التوقيت تحديدًا، نظرًا لحساسية المفاوضات الجارية.
وأشار محللون إلى أن نتنياهو، الذي كان يخطط لاجتياح بريٍ شاملٍ لمدينة غزة، ربما أراد نسف مفاوضات وقف إطلاق النار.
فبحسب ديفيد ماكوفسكي، وهو زميلٌ بارزٌ في معهد واشنطن، فإن نتنياهو كان يعتبر مسار المفاوضات “عائقًا أمام اتخاذ أي إجراءاتٍ ميدانية”.
كما أن عملية الاغتيال فشلت في تحقيق هدفها على عكس عملية اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران العام الماضي، والتي قام بها الموساد بشكلٍ سريٍ ومتقن.
ويقول أحد الإسرائيليين المطلعين على الأمر: “هذه المرة، لم يكن الموساد مستعدًا للقيام بذلك على الأرض”.

مواجهة دبلوماسية وانهيار للوساطة
في أعقاب الضربة، واجهت إسرائيل عاصفةً دبلوماسيةً قوية. فقد أدانت قطر الهجوم علنًا، واصفةً إياه بـ”إرهاب الدولة” وخيانةً لعملية الوساطة.
وأكد رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن قطر ستستمر في دورها الدبلوماسي لوقف إراقة الدماء، رافضًا “الرضوخ للمتطرفين” في إشارةٍ واضحةٍ إلى الحكومة الإسرائيلية.

مخاطر تهدد حياة المحتجزين
من بين أبرز المعترضين على الضربة، كان المسؤول الكبير في الجيش الإسرائيلي عن مفاوضات المحتجزين، نيتسان ألون. ولذلك، لم تتم دعوته إلى الاجتماع الذي عقد لمناقشة عملية الدوحة، لأن القادة السياسيين افترضوا أنه سيعترض على ضربة قد تعرِّض حياة المحتجزين للخطر.
وتؤكد هذه التفاصيل أن نتنياهو اتخذ قرارًا فرديًا، متجاهلًا تحذيرات كبار قادته الأمنيين، ومضحيًا بالعلاقات الدبلوماسية الهامة مع قطر، وربما مهددًا بشكلٍ مباشرٍ مستقبل المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
هل يستطيع نتنياهو أن يبرر خطوته أمام الرأي العام الإسرائيلي والعالمي، بعد أن أثبتت فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى