تناقض ترامب في سوريا.. يد ترفع العقوبات ويد تفكك الدعم وتُلقي بالبلاد نحو الفوضى

في لحظة محورية من الجدل الغربي حول التعامل مع سوريا ما بعد بشار الأسد، برز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كلاعب رئيسي بشكل غير متوقع، مستعرضًا وجهًا براجماتيًا يعِد بالاستقرار، لكنه يحمل في طيّاته فوضى متفاقمة تهدد البنية الإنسانية للدولة المنهكة.
فمنذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، انتقلت سوريا إلى مرحلة سياسية جديدة تحت قيادة أحمد الشرع، أحد قادة الفصائل التي شاركت في الحرب، وسط حالة من الترقب الدولي والتوجس الغربي. لكن ترامب اختار مسارًا مختلفًا، وقاد حملة لرفع العقوبات المفروضة على دمشق، مؤكدًا رغبته في منح السوريين “فرصة للعظمة”، كما صرح خلال زيارته للعاصمة السعودية في مايو الماضي، حيث التقى الشرع وسط ترحيب علني ورسائل دعم واضحة.
رفع العقوبات لا يكفي
التحركات الأمريكية شملت خطوات جريئة، أبرزها شطب الفصيل الذي يقوده الشرع من قوائم الإرهاب، وفقًا لتصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو. كما سارعت الدول الأوروبية لاحقًا إلى تخفيف القيود الاقتصادية المفروضة على سوريا، استجابة للتغيرات السياسية المتسارعة.
لكن مجلة فورين بوليسي الأمريكية رأت أن إرث ترامب في سوريا لن يُحدَّد فقط من خلال تخفيف العقوبات أو التطبيع مع النظام الجديد، بل من خلال قراره الكارثي بتدمير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وما تبعه من تراجع كارثي في الدعم الإنساني للسوريين.
دمار إنساني تحت غطاء الواقعية السياسية
في الوقت الذي بدا فيه أن ترامب يتحرك نحو استقرار سوريا، جاءت تخفيضاته الجذرية في المساعدات الإنسانية لتفجّر أزمة إنسانية. فبعد أن كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تتولى قرابة ربع المساعدات العالمية للسوريين، تم تقليص تمويلها بشكل حاد خلال شتاء 2025، ما أدى إلى إغلاق مشاريع حيوية في قطاعات المياه، والتغذية، والصحة.
منظمة ميرسي كوربس أعلنت وقف توزيع المياه النظيفة على 118 ألف سوري، فيما كشفت منظمة أنقذوا الأطفال عن إغلاق 20 برنامجًا من أصل 50 في قطاع التغذية، ما يُهدد أكثر من 400 ألف طفل بسوء التغذية الحاد. كما فقد مليون سوري خدمات المياه والصرف الصحي بحسب تقرير اللاجئين الدولية.
بلد على شفا الانهيار
الوضع في سوريا لا يحتمل مزيدًا من التدهور. فالدولة الخارجة من 14 عامًا من الحرب تعاني من بنية تحتية مدمّرة، وانهيار اقتصادي شبه كامل، إضافة إلى أسوأ موجة جفاف منذ 60 عامًا، وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي الذي قد يهدد 16 مليون شخص وفق تقديرات منظمة الأغذية والزراعة.
وبينما يحاول ترامب رسم صورة الزعيم الذي أعاد سوريا إلى المشهد الدولي عبر رفع العقوبات ومصافحة “الرجل القوي” أحمد الشرع، فإن التقشف الإنساني الأميركي الذي فرضه يُقوّض هذا المسار، ويجعل مستقبل البلاد أكثر هشاشة.
مفارقة ترامب
هكذا، يجد السوريون أنفسهم بين وجهين متناقضين لترامب: الأول يدعو إلى التعافي و”العظمة”، والثاني يفكك البنية الإنسانية التي تُعد شرطًا أساسيًا للاستقرار. فبدون مساعدات غذائية، وصحية، وتعليمية، تصبح العودة إلى الوطن حلمًا مستحيلًا لملايين اللاجئين، ويُهدد الداخل السوري بموجات نزوح جديدة وأزمات أكبر.
وفي النهاية، يختتم تحليل فورين بوليسي بتشخيص دقيق: “المواجهة في سوريا هي بين ترامب وترامب” — رئيس يسعى للتهدئة السياسية، وآخر يزرع الفوضى بقرارات متهورة، تاركًا السوريين ضحايا لعبة دولية بلا شفقة