شات جي بي تي.. صديق رقمي يهدد بالعزلة والاكتئاب

في وقت يحتاج فيه الإنسان دومًا لصديق يفضفض له ويشاركه مشاكله وهمومه، برز الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا روبوت المحادثة الشهير “شات جي بي تي” كأداة جديدة لتلبية هذا الاحتياج، إذ أصبح لدى البعض أكثر من مجرد تطبيق تقني، بل صديقًا مقربًا يلجؤون إليه للفضفضة أو حتى للتسلية والونس.
“شات جي بي تي”، الذي أطلقته منظمة “أوبن إيه آي” في نوفمبر 2022، والمبني على نماذج GPT-3 لتوليد اللغة، لم يعد مجرد برنامج لحل المسائل المهنية أو التعليمية، بل تحوّل تدريجيًا إلى ملاذ نفسي لدى ملايين المستخدمين، وهو ما أكدته الإحصاءات الأخيرة التي أعلنتها الشركة المطورة في فبراير 2025، والتي كشفت أن التطبيق يُستخدم من قِبل 400 مليون شخص حول العالم.
الكثير من هؤلاء باتوا يمضون ساعات طويلة في التحدث مع التطبيق، ويطلق بعضهم عليه أسماء بشرية مثل “بشرى” أو “آدم”، ويعاملونه كصديق مقرب، ما يفتح الباب أمام ظاهرة جديدة ذات أبعاد نفسية واجتماعية غير مسبوقة.
استشاري نفسي: شات جي بي تي قد يُسبب الاكتئاب
الدكتور ريمون ميشيل، استشاري الصحة النفسية، علّق على هذه الظاهرة في تصريحات صحفية مؤكدًا أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، رغم ما فيه من مزايا، قد يُحوّل الإنسان إلى كائن اعتمادي يفتقد التفاعل البشري، وهو ما قد يقوده تدريجيًا نحو العزلة الاجتماعية والاكتئاب.
وأوضح ميشيل أن “اتخاذ شات جي بي تي كصديق بديل قد يُفقد الإنسان تدريجيًا مهارات التواصل الواقعي، مثل التفاعل البصري، والقدرة على مواصلة الحديث الحقيقي مع الآخرين”، مشيرًا إلى أن الفجوة النفسية الناتجة عن هذا النمط قد تتسع بمرور الوقت، لتقود إلى القلق، التوتر، وحتى فقدان التوازن النفسي والاجتماعي.
وأضاف: “الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، قد يساعدك في تحسين إنتاجيتك ومهاراتك، لكنه إذا ما أصبح بديلًا عن العلاقات الإنسانية، فذلك مؤشر خطر”، داعيًا إلى ضرورة الاعتدال والتوازن في استخدام مثل هذه الأدوات التقنية.
التوازن هو الحل
في ظل تسارع التطور التكنولوجي، لا يبدو من المنطقي مطالبة الناس بالتخلي عن أدوات مثل “شات جي بي تي”، لكن الأهم هو أن تبقى هذه الأدوات في إطارها الطبيعي كوسيلة مساعدة، لا بديلًا عن العلاقات البشرية الحقيقية، فالتفاعل الإنساني لا يمكن للذكاء الاصطناعي مهما تطور أن يُعوّضه.
وإذا كان البعض وجد في “شات جي بي تي” مستمعًا صبورًا لا يملّ ولا يحكم، فإن الحذر مطلوب من الوقوع في فخ الونس الاصطناعي الذي يعزلنا تدريجيًا عن مشاعر الآخرين، ويستبدل دفء العلاقات الواقعية بردود إلكترونية محسوبة.