ترامب يشعل أزمة تجارية جديدة مع أوروبا.. تهديدات جمركية تضع القارة العجوز أمام اختبار اقتصادي قاسٍ

في خطوة تهدد بإشعال أزمة تجارية كبرى بين ضفتي الأطلسي، أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا بعد تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على عدد من السلع الأوروبية، ضمن سياسة “أمريكا أولًا” الهادفة لتقليص العجز التجاري الأمريكي ودعم الصناعات الوطنية.
القرار المفاجئ دفع بالأسواق إلى موجة اضطراب حادة، فيما وضعت أوروبا أمام تحديات اقتصادية متزايدة، خاصة في ظل أزماتها الداخلية الممتدة.
وعلى الرغم من تأجيل تنفيذ القرار حتى 9 يوليو 2025، بعد مكالمة هاتفية بين ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، فإن القارة العجوز تواجه معضلة اقتصادية حقيقية، تسابق فيها الزمن لتجنب آثار كارثية على اقتصادها المترنح.
اقتصاد أوروبي هش.. والنمو على المحك
تشير المؤشرات الاقتصادية إلى تراجع واضح في أداء الاقتصاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة.
النمو الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي بلغ 1% فقط في عام 2024، مقارنة بـ6.3% في عام 2021، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار الطاقة، وتراجع الإنتاجية، وتزايد الاعتماد على واردات الصين.
ورغم التوقعات المتفائلة بانتعاش النمو إلى 1.5% في عام 2026، فإن هذا التحسن يظل ضعيفًا وغير كافٍ لمواجهة التحديات القائمة.
أما الديون السيادية، فبلغت مستويات خطيرة، خاصة في دول جنوب أوروبا؛ إذ سجلت اليونان نسبة ديون تجاوزت 158% من الناتج المحلي، تليها إيطاليا بـ136%، وفرنسا بـ113%، وهو ما يضع هذه الدول في مهب أية صدمة اقتصادية جديدة.
تراجع الإنتاج والأسواق المالية تبحث عن الأمان
لم تكن أسواق المال الأوروبية بمنأى عن الاضطرابات؛ فالمستثمرون باتوا يفضلون الاستثمار في الأسواق الأمريكية مثل مؤشر S&P500، في ظل تقلبات حادة بأسواق المال الأوروبية وتراجع الطروحات الأولية.
كما سجلت معدلات الإنتاج الصناعي تراجعًا ملحوظًا في عدة دول، من بينها بولندا والسويد ولاتفيا، مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة وتراجع الطلب العالمي.
الرسوم الجمركية المحتملة.. ارتباك في الأسواق وانكماش يلوح في الأفق
فور تهديد ترامب، شهدت الأسواق المالية الأوروبية حالة من الذعر؛ حيث انخفضت عوائد السندات الألمانية والفرنسية، وتراجعت أسهم كبرى البنوك وشركات السيارات. وانخفض مؤشر البنوك الأوروبي بنسبة 3.6%، وسط خسائر قاسية لأسهم “دويتشه بنك” و”سوسيتيه جنرال” و”يونكريديتو”.
وبعد إعلان تأجيل القرار، عاودت الأسواق الأوروبية الصعود مؤقتًا، لكن ظل القلق مسيطرًا، ما يوضح هشاشة الأسواق تجاه قرارات ترامب الاقتصادية.
خسائر متوقعة في الميزان التجاري والقطاعات الصناعية
الاتحاد الأوروبي يُعد أحد أكبر الشركاء التجاريين لأمريكا؛ حيث بلغت صادراته إلى الولايات المتحدة نحو 571 مليار دولار في 2024، بزيادة 50% عن عام 2013.
ودول كألمانيا، إيطاليا، وإيرلندا تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية، ما يجعلها الأكثر تضررًا حال تنفيذ الرسوم.
كما يُنتظر أن تتأثر بشدة الصناعات الأوروبية المُصدِّرة إلى أمريكا، خاصة المنتجات الطبية، والمعدات، وصناعة السيارات التي تبلغ صادراتها السنوية نحو 45 مليار دولار. إذ قد تضطر الشركات لإعادة هيكلة خطوط الإنتاج، وتسريح عمالة، وتقليص أنشطتها.
تهديد بحرب تجارية وضرورة للحوار
يُعد هذا التهديد تحوّلًا خطيرًا في سياسة الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين، ويفتح الباب أمام حرب تجارية متبادلة قد تُربك سلاسل التوريد العالمية وتُقوِّض الاستقرار الاقتصادي العالمي.
كما يكشف عن هشاشة العلاقة الاقتصادية عبر الأطلسي، ما يتطلب العودة إلى طاولة المفاوضات وتفعيل آليات التعاون بدلًا من التصعيد والمواجهة.
خلاصة: أوروبا على صفيح اقتصادي ساخن
وسط هذا المشهد المعقد، تجد أوروبا نفسها في مفترق طرق، تتطلب فيه قرارات استراتيجية جريئة لحماية اقتصادها من التداعيات المحتملة لقرارات واشنطن.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل تنجح الدبلوماسية في كبح جماح الحرب التجارية المقبلة، أم أن العالم بصدد دخول فصل جديد من المواجهات الاقتصادية؟