تقارير وتحليلات

هدنة فوق الجمر.. وقف إطلاق نار بين الهند وباكستان وسط الشكوك والانفجارات

بينما كانت أصوات الانفجارات تملأ أجواء كشمير، وتتراشق الاتهامات بين نيودلهي وإسلام آباد، جاء إعلان وقف إطلاق النار بين الجارتين النوويتين كهدير مفاجئ وسط العاصفة.

الإعلان، الذي جاء بوساطة أمريكية، حمل في طياته بارقة أمل لإنهاء دوامة الدم، لكنه سرعان ما ارتطم بواقع ميداني مشتعل، يعج بالقذائف والمواقف المتصلبة.

وساطة أمريكية تشعل بارقة الأمل

في لحظة بدت فيها المنطقة على شفا حرب شاملة، أعلنت كل من الهند وباكستان، يوم السبت، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد أربعة أيام من أعنف الاشتباكات على خط السيطرة في كشمير المتنازع عليها. الاتفاق جاء بعد جهود دبلوماسية مكثفة قادتها الإدارة الأمريكية، حيث أعلن الرئيس دونالد ترامب عبر منصة “تروث سوشيال” أن الجانبين وافقا على “وقف إطلاق نار كامل وفوري”، مشيدًا بـ”المنطق السليم والذكاء العالي” لقادة البلدين.

وساهم في الوساطة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونائب الرئيس جيه دي فانس، عبر اتصالات مباشرة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الباكستاني شهباز شريف، فضلاً عن قيادات أمنية رفيعة.

تفاؤل لا يصمد أمام الدخان

ورغم التصريحات الرسمية التي أكدت دخول الاتفاق حيز التنفيذ، فقد عاد القصف ليهز مدن كشمير بعد ساعات قليلة فقط من إعلان الهدنة، خصوصًا في سريناجار وجامو، بحسب ما نقلته وكالات أنباء وشهود عيان. الاتهامات سرعان ما تصاعدت، حيث اتهمت الهند باكستان بخرق الاتفاق، بينما ردت الأخيرة بالقول إن الهند هي من بدأت التصعيد مجددًا.

في مدينة أوري، قال المواطن تنوير تشالكو لصحيفة “ذا جارديان”: “رقصنا فرحًا في المخيمات حين سمعنا بالهدنة.. كنا نأمل أن نعود لمنازلنا”. غير أن لال الدين، من سكان بونش، عبّر عن تشاؤمه: “شهدنا مثل هذه الاتفاقات من قبل.. قصيرة الأمد، بلا حلول جذرية”.

من الشرارة إلى الهدنة

انفجر التصعيد مساء الأربعاء الماضي، حين شنت الهند ضربات صاروخية استهدفت تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية، ما أسفر عن مقتل 31 شخصًا، في رد على هجوم دموي استهدف سياحًا هندوس في كشمير. لاحقًا، تبادلت الدولتان ضربات بطائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى، ما أسفر عن دمار واسع، وأشعل مخاوف دولية من اندلاع حرب نووية وشيكة.

في مؤتمر صحفي، اتهمت العقيد صوفيا قريشي، المتحدثة باسم الجيش الهندي، باكستان بمهاجمة 26 موقعًا هنديًا، من بينها مطاري سريناجار وباثانكوت، بينما رد الجنرال الباكستاني أحمد شريف شودري بأن “الهند هي من بدأت باستخدام الطائرات الحربية والصواريخ”.

حرب إعلامية ونصران مزعومان

سياسيًا، بدا أن كل طرف يحاول تسويق الاتفاق كـ”نصر دبلوماسي”. وزير الخارجية الهندي، سوبراهمانيام جايشانكار، أكد أن بلاده “تواصل معركتها ضد الإرهاب”، فيما وصفت السيناتور الباكستانية شيري رحمن الاتفاق بأنه “انتصار للقيادة الوطنية”، وفق ما نقلت صحيفة “ذا جارديان”.

لكن مراقبين حذروا من أن هذا الاتفاق ليس سوى وسيلة لكل طرف لتهدئة الداخل المضطرب، خصوصًا مع تصاعد الخطاب القومي في الهند، وتزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية في باكستان.

جذور مشتعلة وتاريخ ملتهب

تُعد كشمير واحدة من أعقد بؤر النزاع في العالم، وقد أشعلت أربع حروب بين الهند وباكستان منذ الاستقلال عام 1947. وبينما ينظر البعض إلى اتفاق وقف إطلاق النار الحالي كبادرة أمل، يرى آخرون أنه مجرّد “فاصل زمني” قبل الجولة التالية من التصعيد.

ختام معلّق على دخان البنادق

الهدنة المعلنة بين الجارتين النوويتين ما تزال حبرًا على ورق، تحاصرها أصوات الانفجارات وتقارير الانتهاكات. وبينما تنبض بعض القرى في كشمير بأمل العودة والاستقرار، يستعد آخرون لحزم أمتعتهم مجددًا، تحسّبًا لانفجار جديد قد يُعيد النزاع إلى المربع الأول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى