تقارير وتحليلات

بعد 100 يوم في الحكم.. ترامب يقلب الطاولة على أوكرانيا ويتقارب مع موسكو

في مئة يوم فقط من ولايته الثانية، نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قلب المشهد الجيوسياسي العالمي، لا من خلال إحراز تقدم على طريق إنهاء الحرب الأوكرانية، بل عبر سلسلة قرارات ومواقف فجّرت تحولات صادمة في توازنات القوى.

وبينما كانت كييف تنتظر دعمًا أمريكيًا يُعيد لها زمام المبادرة، فُوجئت بانحسار الاهتمام، بل وبخطاب هجومي مباشر من أقرب حليف.

في المقابل، بدت موسكو كأكبر المستفيدين من هذه المتغيرات، بعدما تمكنت من الخروج جزئيًا من عزلتها الدولية، ووجدت في إدارة ترامب فرصة لإعادة صياغة موقعها على الخريطة السياسية.

بعد 100 يوم في الحكم.. ترامب يقلب الطاولة على أوكرانيا ويتقارب مع موسكو

تقارب أمريكي روسي: نهاية عزلة بوتين
منذ اللحظات الأولى لعودته إلى البيت الأبيض، لم يُخفِ ترامب رغبته في نسج خيوط تفاهم جديدة مع الكرملين. وأجرى مسؤولون أمريكيون وروس عدة لقاءات في شهري يناير وفبراير، بحثًا عن مخرج للأزمة الممتدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.

لكن هذه اللقاءات، رغم طابعها الدبلوماسي، لم تُفضِ إلى شيء ملموس، بل بدت وكأنها تُمهّد لتحولات سياسية عميقة، خاصة بعد أن استقبل ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل وُصف بالودّي، في لقاء لم يُخفِ فيه الطرفان توافقًا في الرؤى حول “ضرورة إنهاء الحرب، لكن وفق شروط واقعية”.

في الأثناء، رأى الأوكرانيون وحلفاؤهم في أوروبا أن هذا الانفتاح الأمريكي يُشكّل تراجعًا خطيرًا عن سياسة الحزم التي تبنتها إدارة بايدن، والتي قامت على دعم كييف عسكريًا واقتصاديًا دون شروط.

زيلينسكي في مرمى التصريحات النارية
الصدمة الأوكرانية لم تقتصر على التغيير الدبلوماسي، بل تضاعفت بعدما دخل ترامب في سجالات علنية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وصلت إلى تبادل عبارات جارحة أمام وسائل الإعلام.

ففي واحدة من أكثر اللحظات إحراجًا في تاريخ العلاقات الأمريكية – الأوكرانية، وصف ترامب نظيره الأوكراني بأنه “ديكتاتور يُورّط شعبه في حرب خاسرة”، ملمّحًا إلى أنه “لا يحظى إلا بدعم شعبي لا يتجاوز 4%”، وداعيًا في الوقت ذاته إلى “انتخابات رئاسية جديدة” في أوكرانيا.

بعد 100 يوم في الحكم.. ترامب يقلب الطاولة على أوكرانيا ويتقارب مع موسكو

قرارات حاسمة.. وتراجع في الدعم
في مارس، أقدمت إدارة ترامب على تجميد المساعدات العسكرية المخصصة لأوكرانيا، في قرار أثار دهشة كييف وغضب حلف الناتو، وأعاد إلى الأذهان سياسة الانعزال التي طبعت فترة ترامب الأولى.

هذا التجميد لم يكن مجرّد خطوة مالية، بل جاء كرسالة سياسية تُفهم على أنها تخلي عن أوكرانيا في أكثر لحظاتها حساسية، بالتوازي مع تقدم القوات الروسية في شرق البلاد، ولا سيما في منطقة كورسك الحدودية التي كانت تمثل ورقة تفاوضية مهمة لكييف بعد توغلها فيها صيف 2024.

الميدان يشتعل: روسيا تُصعّد والهجمات تزداد دموية
وعلى الأرض، لم تتوقف المعارك. ففي 13 أبريل، تعرّضت مدينة سومي إلى ضربتين روسيتين بصواريخ باليستية أسفرتا عن مقتل 35 مدنيًا وإصابة أكثر من 100 آخرين، في واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ بداية العام.

وفي حين أعلنت الولايات المتحدة عن مبادرة هدنة مؤقتة لمدة 30 يومًا، قابلتها موسكو بالرفض، وأصرّ بوتين على أن “الواقع الميداني يجب أن يُحتَرم”، في إشارة واضحة إلى تفوّق القوات الروسية مؤخرًا.

بعد 100 يوم في الحكم.. ترامب يقلب الطاولة على أوكرانيا ويتقارب مع موسكو
الحرب الروسية الأوكرانية

ترامب ينتقد موسكو… بخجل
ورغم التصريحات التي تحمل تقاربًا واضحًا مع الكرملين، لم يمتنع ترامب عن توجيه بعض الانتقادات الخفيفة إلى روسيا، متحدثًا عن “ضرورة التحرك نحو تسوية سلمية”، ومُعبّرًا عن “خيبة أمله” من رفض بوتين مبادرة التهدئة.

لكن تلك الانتقادات جاءت ضمن خطاب تصالحي عام، اعتبره الكرملين “أقرب ما يكون إلى الفهم الواقعي للموقف الروسي”، وفق تصريحات رسمية نُشرت في مارس.

كييف: خيبة أمل وأصوات غاضبة
في أوكرانيا، الصورة قاتمة. لا مساعدات، ولا دعم سياسي، وصفارات الإنذار لا تتوقف. يقول تيموفي ميلوفانوف، مدير كلية كييف للاقتصاد، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: “لا شيء يتحرك.. الناس يموتون، والكل يسمع القنابل.. وترامب يُربك المشهد بدلًا من أن يحله”.

أما في موسكو، فتبدو الأمور أكثر ارتياحًا. لا ضغوط جدية من واشنطن، ولا تهديدات من الناتو، والأصوات الروسية تصف الوضع بأنه “الأفضل منذ اندلاع الحرب”.

في الخلاصة: حرب بلا مخرج.. وواشنطن تفقد البوصلة
بعد مئة يوم من حكم ترامب، لم تقترب الحرب من نهايتها، بل باتت الصورة أكثر تعقيدًا. تقارب أمريكي روسي، تهميش لأوكرانيا، تصعيد في الميدان، وأفق سياسي غامض. وبينما يُراهن ترامب على “أسلوبه الخاص” في إدارة الأزمات، يرى المراقبون أن ما يحدث ليس سوى بداية لفوضى أكبر… قد لا تُبقي لأوكرانيا سوى الركام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى