حين تتحول سماء نيويورك إلى مسرح جريمة.. التاريخ الأسود لحوادث الطيران في الولاية الأمريكية
في سماء نيويورك، حيث تتشابك خيوط الحداثة مع صخب المدينة الذي لا يهدأ، تتكرر فصول مأساوية تثير الرعب وتطرح تساؤلات ملحة حول سلامة الرحلات الجوية السياحية.
فبينما يرى البعض في التحليق فوق ناطحات السحاب تجربة فريدة، يرى آخرون في كل مروحية تحوم في الأجواء تهديدًا كامنًا، يتربص بحياة الأبرياء.
ففي لحظة خاطفة، تتحول رحلة استجمام إلى كابوس مروّع، وتتحول السماء إلى مسرح لحوادث متكررة، تترك وراءها حزنًا عميقًا وتساؤلات لا تنتهي.
وفي هذا السياق تحوّلت رحلة سياحية قصيرة إلى كابوس مروّع فوق مياه نهر هدسون، حينما هوت مروحية تقل عائلة إسبانية وعددًا من السياح إلى قاع النهر بعد تحطمها بشكل مفاجئ، في مشهد صادم هزّ مدينة نيويورك وأعاد إلى الواجهة الحديث عن سلامة الرحلات الجوية السياحية التي باتت تشكل تهديدًا متكرّرًا لحياة المدنيين.
الطائرة المنكوبة، وهي من طراز “بيل 206″، أقلعت من مانهاتن عصر الخميس، وعلى متنها عائلة إسبانية وثلاثة ركاب آخرين. وبعد 18 دقيقة فقط من التحليق، سقطت الطائرة بشكل مروّع، بعدما انفصلت أجزاؤها في الجو وانقلبت رأسًا على عقب، لتستقر في أعماق نهر هدسون البارد، مخلفةً وراءها ستة قتلى، بينهم ثلاثة أطفال، وجثثًا ممزقة استغرق انتشالها جهودًا مكثفة من فرق الغواصين والإنقاذ.
“المروحية ابتلعتها السماء”.. شهود يروون لحظات الرعب
قال بروس وول، أحد شهود العيان، إن المروحية بدت وكأنها “تُبتلع من الهواء” قبل أن تسقط، مشيرًا إلى أنه رأى مروحتها الرئيسية تنفصل عن الجسم، بينما بقيت تدور في الهواء دون أن تصطدم بالطائرة. الفيديوهات التي التُقطت في اللحظة كشفت عن مشهد مأساوي، حيث ظهرت المروحية مقلوبة في المياه، وفِرق الإنقاذ تحاول الوصول إليها بالقرب من نفق هولاند.
فتح تحقيق رسمي وسط ترجيحات بـ”عطل كارثي”
الهيئة الوطنية لسلامة النقل (NTSB) أعلنت فتح تحقيق عاجل في الحادث، فيما رجّح خبراء أن السبب قد يكون عطلًا ميكانيكيًا مدمّرًا، ناتجًا عن اصطدام دوارات المروحية بذيلها، ما تسبب في سقوطها سقوطًا حرًا دون أي فرصة للنجاة.
وقال الخبير في الطيران جاستن جرين، إن “الضحايا على الأرجح ماتوا في لحظة الاصطدام، ولم يكن بالإمكان السيطرة على الطائرة بأي شكل”. وأضاف: “ما حدث أقرب إلى سقوط حجر من السماء”.
نيويورك.. مدينة تحت رحمة السماء
المأساة الأخيرة ليست الأولى من نوعها في سماء نيويورك، بل تضاف إلى سجل طويل من الحوادث التي حوّلت المدينة إلى واحدة من أكثر المناطق الحضرية عرضة لكوارث المروحيات في الولايات المتحدة. فمنذ عام 1977، توفي 38 شخصًا في حوادث تحطم مروحيات، كان أبرزها تحطم مروحية فوق مبنى “بان آم”، واصطدام مروحية سياحية بطائرة صغيرة في نهر هدسون عام 2009 أسفر عن مقتل تسعة أشخاص، وتحطم مروحية في نهر إيست عام 2018 خلال رحلة “الباب المفتوح” وأودى بحياة خمسة ركاب.
كما شهدت المدينة حوادث أخرى لا تقل خطورة، مثل اصطدام مروحية بسقف ناطحة سحاب عام 2019، وتعرض مروحية لأضرار جسيمة أثناء الهبوط في 2021، وحادث اصطدام بمبنى في بروكلين عام 2004 نجا فيه الركاب بأعجوبة.
ورغم هذا السجل القاتم، تستمر الرحلات الجوية السياحية في اجتذاب الآلاف يوميًا، وهو ما يدفع سكان المدينة للمطالبة بمراجعة عاجلة لترخيص هذه الأنشطة التي تُنفّذ في أجواء مكتظة بالمباني والسكان.
حادث اصطدام جديد في واشنطن يرفع منسوب القلق
وفي تصعيد إضافي للمخاوف، شهد مطار واشنطن ريجان في اليوم ذاته حادثًا آخر تمثل في اصطدام طائرتين تابعتين لشركة الخطوط الجوية الأمريكية، إحداهما كانت تقل سبعة من أعضاء الكونجرس. وبينما لم تُسجل إصابات، إلا أن الحادث أطلق تحذيرات صريحة من مسؤولين في الكونجرس حول سلامة الطيران في الولايات المتحدة.
وقال السيناتور الديمقراطي تيم كين إن الحادث يعكس تداعيات خفض تمويل هيئة الطيران الفيدرالية (FAA) وفصل مراقبي الحركة الجوية، مما يزيد من احتمال وقوع أخطاء بشرية قاتلة.
سلسلة الحوادث الأخيرة تضع FAA في دائرة الانتقاد
تأتي هذه الحوادث في سياق سلسلة من الكوارث التي شهدها النقل الجوي في أمريكا خلال الأشهر الماضية، أبرزها تحطم طائرة طبية في فيلادلفيا في يناير الماضي أودى بحياة سبعة أشخاص، واصطدام طائرة مدنية بمروحية عسكرية في واشنطن في أسوأ حادث جوي تشهده البلاد منذ عقود.
وقد أدت هذه الوقائع إلى تصاعد الأصوات داخل الكونجرس الأمريكي مطالبة بإعادة هيكلة هيئة الطيران الفيدرالية، وفرض مزيد من القيود على الرحلات السياحية الجوية، لاسيما في المدن الكبرى مثل نيويورك، حيث لا مجال للأخطاء.
رحلات المتعة تتحوّل إلى مآسي
بينما يرى البعض في رحلات المروحيات تجربة فريدة لمشاهدة المدينة من السماء، يرى آخرون أنها قنابل موقوتة تُحلّق فوق رؤوس ملايين المدنيين كل يوم. ومع تكرار الحوادث بهذا الشكل المقلق، تتعالى الدعوات لوضع حد لتلك المغامرات الجوية التي تحوّلت إلى شبح دائم في سماء نيويورك.
