تقارير وتحليلات

الصين تقود جهود نزع فتيل الأزمة النووية الإيرانية.. تحالف صيني روسي إيراني في مواجهة الضغوط الأمريكية

في ظل تصاعد التوترات الدولية وتعقّد المشهد السياسي، تبرز الصين كقوة دبلوماسية تسعى إلى تقديم حلول سلمية للأزمات العالمية، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني. وفي هذا السياق، قدّم وزير الخارجية الصيني، وانج يي، رؤية متكاملة لحل الأزمة ترتكز على مبادئ الحوار والتفاوض والتعاون الدولي، رافضًا سياسة العقوبات والضغوط كأدوات لحل الخلافات.

رؤية صينية لحل الأزمة النووية
تقوم الرؤية الصينية على تحقيق توازن بين التزامات إيران الدولية وحقوقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مع التأكيد على ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة. وضمن هذا الإطار، شدد وانج يي على أهمية التقدم المتدرج نحو توافق مشترك يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف المعنية.

وتحظى هذه المبادرة الصينية بدعم من روسيا وإيران، حيث عقدت الدول الثلاث قمة ثلاثية في بكين لمناقشة التطورات الأخيرة وسبل التوصل إلى حلول دبلوماسية مستدامة تعزز الأمن الإقليمي والدولي. وشدد القادة المشاركون في القمة على رفض العقوبات الاقتصادية كأداة للضغط السياسي، داعين الولايات المتحدة إلى إظهار حسن النوايا عبر استئناف المفاوضات.

تحالف ثلاثي في مواجهة العقوبات الأمريكية
في هذا الإطار، أوضح سون دي جانج، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان، أن القمة جاءت في توقيت حساس للغاية، حيث تواجه إيران ضغوطًا دولية متزايدة بسبب العقوبات الأمريكية التي استهدفت أكثر من 600 كيان وشخصية إيرانية في السنوات الأخيرة.

الصين تقود جهود نزع فتيل الأزمة النووية الإيرانية.. تحالف صيني روسي إيراني في مواجهة الضغوط الأمريكية
نووي – محطة نووية

وأشار “سون” إلى أن القمة بعثت برسالة قوية إلى المجتمع الدولي، إذ أظهرت الدول الثلاث موقفًا موحدًا ضد اللجوء إلى القوة أو فرض العقوبات كوسيلة لحل الأزمة. كما أكد أن التحالف المتنامي بين بكين وطهران وموسكو يعكس مستوى متقدمًا من التفاهم والتنسيق، لا سيما في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإيران أكثر من 15 مليار دولار عام 2023، مما يجعل بكين الشريك التجاري الأول لطهران رغم العقوبات الغربية.

بيان مشترك يدعم المسار السلمي
أما البروفيسور زو تشي تشيانج، من مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان، فقد أكد أن البيان الثلاثي المشترك الصادر عقب القمة شدد على محورين رئيسيين:

إنهاء العقوبات الأحادية: أكد البيان ضرورة رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران، والتي ألحقت ضررًا بالغًا باقتصادها، حيث فقدت طهران أكثر من 200 مليار دولار من العائدات النفطية منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018. كما دعا البيان إلى وقف الضغوط العسكرية والاقتصادية وإعادة تفعيل القنوات الدبلوماسية لحل الأزمة.

منع انتشار الأسلحة النووية: شدد البيان على التزام الدول الثلاث بمبدأ حظر انتشار الأسلحة النووية، مع التأكيد على حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق المعايير الدولية. كما دعا إيران إلى الالتزام بتعهداتها بعدم تطوير أسلحة نووية، وهو ما اعتبره المراقبون خطوة إيجابية قد تمهد الطريق لاستئناف المفاوضات بين طهران والغرب.

الصين ودورها في تعزيز الأمن الإقليمي
في الإطار ذاته، أكد وانج جوانجدا، الأمين العام لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، أن الصين تسعى من خلال مبادرتها الأمنية العالمية إلى لعب دور رئيسي في حل الأزمات الإقليمية، بما في ذلك الأزمة النووية الإيرانية.

الصين تقود جهود نزع فتيل الأزمة النووية الإيرانية.. تحالف صيني روسي إيراني في مواجهة الضغوط الأمريكية

وأشار إلى أن بكين، التي تعد أكبر مستورد للنفط الإيراني بمعدل يومي يصل إلى 800 ألف برميل، تعتمد نهجًا متوازنًا في إدارة علاقاتها مع القوى الإقليمية، حيث تسعى إلى بناء هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط يقوم على الشراكة والمصالح المشتركة، بعيدًا عن سياسات العقوبات والضغط السياسي.

التعاون الاقتصادي لتعزيز الاستقلالية
لم تقتصر القمة على الجوانب السياسية والأمنية، بل شملت أيضًا مناقشات حول تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث. وأكدت الباحثة وانج شياويو أن الصين وروسيا وإيران تمتلك إمكانات هائلة لتطوير شراكات استراتيجية في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا المتقدمة.

وأوضحت أن الاستثمارات الصينية في إيران تجاوزت 10 مليارات دولار خلال السنوات الأخيرة، في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، مما يساعد طهران على مواجهة العقوبات الغربية وتعزيز استقلالها الاقتصادي. كما أشارت إلى أن هذا التعاون قد يساهم في تطوير البنية التحتية الإيرانية، وتعزيز الابتكار التكنولوجي، ودعم التحول نحو اقتصاد متنوع ومستدام، مما يقلل من تأثير العقوبات الغربية على طهران.

رسالة صينية واضحة: الحل في الحوار لا في العقوبات
في ظل هذه المستجدات، تبدو بكين عازمة على لعب دور الوسيط الفاعل في الملف النووي الإيراني، واضعةً إطارًا لحل دبلوماسي يضمن تحقيق التوازن الدولي، ويفتح المجال أمام تفاهمات جديدة تعيد رسم معادلات القوة في الشرق الأوسط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى