تقارير وتحليلات

وثائق مسربة تفضح الاحتلال.. إسرائيل تعتقل 6 آلاف فلسطيني بينهم 4550 مدنيًا

كشفت وثائق إسرائيلية مسربة، أعد حولها تحقيق استقصائي مشترك بين صحيفة ذا جارديان البريطانية وموقع سيحا مكوميت العبري، عن صورة قاتمة لممارسات قوات الاحتلال في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، حيث اعتُقل ما يقرب من 6 آلاف فلسطيني، لم يتجاوز عدد المقاتلين الفعليين بينهم 1450 شخصًا فقط، فيما كان الباقون، وعددهم 4550، مدنيين لا علاقة لهم بأي أنشطة عسكرية.

قانون استثنائي يشرعن الاعتقال التعسفي
وبحسب التحقيق، تستند هذه الاعتقالات الواسعة إلى ما يسمى بقانون “المقاتلين غير الشرعيين”، الذي أقرته إسرائيل عام 2002، والذي يمنح الأجهزة الأمنية صلاحيات غير محدودة لاحتجاز أي شخص لفترات غير معلومة استنادًا إلى معلومات سرية، دون الحاجة إلى توجيه تهم رسمية أو السماح للمعتقل بالاستعانة بمحامٍ لفترات طويلة. وأدى هذا القانون الاستثنائي، كما أوضحت ذا جارديان، إلى وفاة العشرات أثناء احتجازهم داخل السجون والمعسكرات الإسرائيلية.

أرقام تكشف تناقضات صارخة
وتشير الوثائق إلى تناقض لافت بين الخطاب الأمني الإسرائيلي والواقع؛ إذ تحتفظ المؤسسة الأمنية بقاعدة بيانات تضم أكثر من 47 ألف اسم لأشخاص تصنفهم كنشطاء في التنظيمات المسلحة، إلا أن من بين آلاف المعتقلين لا يتجاوز عدد المصنفين “مقاتلين فعليين” 1400 فقط. هذا التباين، وفق التحقيق، يثبت أن الاعتقالات الجماعية لم تستند إلى معايير أمنية دقيقة بقدر ما اتسمت بالعشوائية والاعتباطية.

ضحايا الأخطاء الجسيمة

المستندات المسربة تضمنت أيضًا روايات إنسانية مأساوية تجسد حجم الانتهاكات، أبرزها اعتقال المسنة فهيمة الخالدي (82 عامًا) من حي الزيتون بغزة، والمصابة بمرض الزهايمر، والتي قضت شهرًا ونصف الشهر في سجن دامون بعد نقلها من معسكر عاناتوت، قبل أن تُقر السلطات بخطأ اعتقالها.

كما برزت حالة عبير غبان، وهي أم لثلاثة أطفال، اعتُقلت بسبب تشابه أسماء مع شخص آخر، ورغم اعتراف الجنود بالخطأ، ظلت رهن الاحتجاز ستة أسابيع إضافية، في مشهد يعكس الاستهانة الكاملة بالحقوق الإنسانية الأساسية. وأكد التحقيق أن هذه الحالات ليست استثناءً، بل تمثل نمطًا متكررًا ضمن سياسة الاعتقالات الجماعية.

استهداف القطاع الصحي
واحدة من أخطر ما كشفت عنه الوثائق هو الاستهداف المنهجي للقطاع الصحي في غزة، إذ تشير البيانات إلى اعتقال أكثر من 300 طبيب ومسعف وموظف صحي منذ بداية العدوان، ولا يزال أكثر من مئة منهم رهن الاعتقال تحت تصنيف “مقاتلين غير شرعيين”. وشملت هذه الاعتقالات مرضى وجرحى مبتوري الأطراف وكبار سن داخل مستشفيات مثل الشفاء والإندونيسي.

ووصف جنود إسرائيليون معسكر “سديه تيمان” بأنه يضم “جناح المسن”، نظرًا لامتلائه بمعتقلين كبار في السن وجرحى غير قادرين على الحركة. وأكدت منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” أن الكوادر الطبية المحتجزة تعرضت للتعذيب بالضرب والصعق الكهربائي، في إطار سياسة واضحة تستهدف تدمير البنية الصحية في القطاع.

سياسة التجويع والتعذيب الممنهج
التحقيق أشار أيضًا إلى السياسات القاسية التي تبناها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير، والقائمة على تقليص الطعام للمعتقلين إلى “الحد الأدنى” وتشديد ظروف الاحتجاز، وهو ما أدى إلى وفاة العديد منهم تحت التعذيب. ومن بين الضحايا الذين وثقت أسماؤهم شخصيات طبية بارزة مثل الدكتور عدنان البرش، مدير قسم العظام بمستشفى الشفاء، والدكتور إياد الرنتيسي، مدير مستشفى النساء في غزة.

أرقام تؤكد عشوائية الاعتقالات
الإحصاءات الواردة في التحقيق أوضحت أن نحو ألف معتقل فلسطيني جرى الإفراج عنهم ضمن صفقة تبادل في يناير 2024، بينما تمت إعادة نحو 2500 آخرين إلى غزة بسبب اكتظاظ مراكز الاحتجاز، ما يبرز أن معظم هؤلاء لم تكن لهم أي صلة بالعمل العسكري، بل كانوا مجرد ضحايا لسياسة احتجاز جماعي تعسفي.

خلاصة التحقيق
تكشف هذه الوثائق المسربة، بما تتضمنه من أرقام وشهادات، عن نمط ثابت من الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، يقوم على اعتقال آلاف المدنيين العزل، بينهم نساء وأطفال وكبار سن وأطباء، تحت غطاء قانون استثنائي يناقض أبسط المعايير الإنسانية والقانونية الدولية، ويحوّل الاعتقال إلى أداة سياسية وأمنية جماعية تتجاوز كل الحدود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى