مصر تدرب 10 آلاف رجل أمن.. هل تدير القاهرة قطاع غزة بعد الحرب

أثار الجدل الدائر حول “اليوم التالي” في غزة تساؤلات عدة عن الدور المصري المرتقب، خاصة بعد تصريحات رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي التي كشف فيها عن بدء مصر تدريب قوات أمن فلسطينية داخل الأكاديميات العسكرية، يصل عددها إلى نحو 10 آلاف عنصر، نصفهم بالفعل يخضعون لبرامج تدريبية تمتد لستة أشهر.
من هنا برزت التكهنات بأن القاهرة قد تتولى إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب، غير أن الصورة على أرض الواقع تبدو مغايرة تمامًا.
فالمسألة لا تتعلق بإدارة مباشرة لمصر للقطاع أو بوجود عسكري مصري داخله، بل تتمثل في إعداد كوادر أمنية فلسطينية منظمة، تكون مهمتها حفظ الأمن الداخلي وبسط النظام بعد وقف إطلاق النار. أستاذ العلوم السياسية الدكتور إكرام بدر الدين أوضح أن طبيعة هذا التدريب لا علاقة لها بالميليشيات أو بالقوات الهجومية، بل هي تدريبات أمنية بحتة، هدفها تمكين السلطة الفلسطينية من امتلاك جهاز أمني قادر على السيطرة على الأرض وإدارة شؤونها بعيدًا عن الفوضى أو عودة الجماعات المسلحة.
اللواء محمد رشاد، وكيل المخابرات العامة الأسبق، شدد بدوره على أن مصر لن تتولى إدارة غزة بنفسها، وإنما ستكون داعمًا ومشرفًا على ترتيبات أمنية تتولاها لجنة مشتركة مع السلطة الفلسطينية عقب انسحاب إسرائيل ووقف إطلاق النار. وهو دور يتسق مع اعتبارات الأمن القومي المصري، إذ يظل قطاع غزة جزءًا لا يتجزأ من معادلة الاستقرار على الحدود الشرقية لمصر.
أما خبير العلاقات الدولية الدكتور طارق البرديسي، فبيّن أن القاهرة ليست بصدد الدخول في تعقيدات الإدارة المباشرة لقطاع غزة، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن أي فوضى داخل القطاع ستنعكس مباشرة على سيناء. ومن ثم، تركز جهودها على بناء مؤسسات أمنية فلسطينية محترفة تشكّل ركيزة للدولة الفلسطينية المستقبلية، انسجامًا مع رؤية مصر التي تقوم على تقوية مؤسسات الدولة لا تعزيز نفوذ الفصائل.
وهكذا، يتضح أن ما يُروّج له عن نية مصر إدارة قطاع غزة بعد الحرب لا يعكس حقيقة الموقف. فالدور المصري يقتصر على التدريب والتأهيل وتوفير الدعم الأمني والسياسي، تمهيدًا لتسليم زمام الأمور إلى السلطة الفلسطينية ضمن توافقات إقليمية ودولية. القاهرة تريد أن تكون ضامنًا للاستقرار في غزة، لا طرفًا مباشرًا في إدارتها، لتؤكد مرة أخرى أن هدفها الأساس هو حفظ أمنها القومي من جهة، ودعم قيام الدولة الفلسطينية من جهة أخرى.