منوعات

مسجد نمرة .. أيقونة جبل عرفات ومهبط خطبة الوداع

 

في قلب مشعر عرفات، يتربع مسجد نمرة شامخًا كأحد أبرز المعالم التاريخية والدينية التي تحتضنها الأراضي المقدسة، وكمسرح سنوي للخطبة الأعظم في الإسلام، خطبة يوم عرفة، التي تهز بها المآذن القلوب قبل الآذان.

منبر النبي في حجة الوداع
تعود جذور مسجد نمرة إلى القرن الثاني الهجري، حين بُني في الموضع ذاته الذي خطب فيه النبي محمد ﷺ خلال حجة الوداع، حين وقف على مشارف عرفات ليُلقي كلمته الجامعة، معلنًا مبادئ الإسلام الخالدة في العدل والمساواة. ويقع المسجد غرب مشعر عرفات، ويمتد جزء منه داخل وادي عرنة، وهو الوادي الذي نهى النبي عن الوقوف فيه، بقوله: “وقفتُ ههنا وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة.”

لماذا سُمي بـ”نمرة”؟
يحمل المسجد اسم “نمرة” نسبة إلى قرية كانت تقع خارج حدود عرفات، أقام فيها النبي قبل أن يتوجه إلى بطن الوادي لأداء الصلاة والخطبة، كما يُعرف في كتب التراث بأسماء أخرى مثل “مسجد إبراهيم” و”مسجد عرنة”، مما يعكس مكانته التاريخية وتعدد دلالاته الروحية.

هل الوقوف بنمرة يُعد من عرفات؟
مسألة الوقوف في مسجد نمرة شهدت جدلاً فقهياً واسعًا، حيث أجمع عدد من العلماء، مثل الإمام النووي والإمام الشافعي، على أن نمرة ليست من عرفات، وبالتالي لا يصح الوقوف بها وحدها. بينما ذهب آخرون إلى أنه يجوز مع الكراهة أو مع وجوب الدم، وهو ما يعكس أهمية الوعي بتفاصيل المناسك ومواقعها الشرعية.

مكانة رمزية وليست فضلًا خاصًا
ورغم عدم ورود فضل محدد للصلاة في مسجد نمرة، فإن ما يميّزه هو احتضانه لمشهد سنوي مهيب، حيث يؤدي فيه الإمام خطبة يوم عرفة، تليها صلاتا الظهر والعصر جمع تقديم وقصرًا، اقتداء بسنة المصطفى ﷺ، قبل أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات.

تحفة معمارية وتوسعة تاريخية
شهد المسجد في العقود الأخيرة توسعات ضخمة، بلغت كلفتها نحو 237 مليون ريال سعودي، ليتحول إلى ثاني أكبر مسجد في منطقة مكة المكرمة بعد المسجد الحرام. وتبلغ مساحته اليوم أكثر من 110 آلاف متر مربع، ويتسع لأكثر من 350 ألف مصلٍ، ويضم 6 مآذن شامخة، و3 قباب، و10 مداخل رئيسية تحتوي على 64 بابًا، إضافة إلى غرفة بث خارجية تنقل الخطبة والصلوات إلى العالم الإسلامي مباشرة عبر الأقمار الصناعية.

المآذن تصدح من عرفات.. وخطبة تجمع المسلمين
في صباح يوم عرفة، تتوجه أنظار وأفئدة المسلمين إلى المسجد، حيث يتوافد الحجيج مبكرًا لحجز مكان داخل المسجد التاريخي، استعدادًا لسماع خطبة يوم عرفة، التي تتزامن مع وقفة الحجيج الأعظم، وتشكل لحظة روحانية فارقة في رحلة الإيمان.

مسجد نمرة ليس مجرد مبنى معماري، بل هو شاهد حي على أعظم رسالة حملها التاريخ، ومسرح سنوي يجتمع فيه الزمان والمكان والإنسان على كلمة التوحيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى