مسجد الرفاعي.. تحفة معمارية تربط الماضي بالحاضر في قلب القاهرة

وسط ميدان القلعة، حيث تعانق مآذن التاريخ سماء القاهرة، يتجلى مسجد الرفاعي كواحد من أبرز التحف المعمارية التي تروي قصة ارتباط المصريين بالبناء والجمال عبر العصور.
فإلى جوار مسجد السلطان حسن، درة المساجد المملوكية التي شيدت في القرن الرابع عشر، يرتفع مسجد الرفاعي بشموخ ليعكس ملامح الطراز المعماري للقرن العشرين، في مشهد يبرز عبقرية العمارة الإسلامية.
الجذور التاريخية للمسجد
يرجع إنشاء مسجد الرفاعي إلى القرن التاسع عشر، حين قررت خوشيار هانم، والدة الخديوي إسماعيل، بناء مسجد يضاهي في عظمته جاره السلطان حسن، ليكون أيضًا مدفنًا للعائلة المالكة. بدأ تشييد المسجد عام 1869م على يد المهندس حسين باشا فهمي، وتم استيراد أفخم مواد البناء من أوروبا، مثل الرخام الإيطالي، ليكون المسجد نموذجًا فريدًا للعمارة الإسلامية الحديثة.
الهوية الصوفية للمسجد
ينسب المسجد إلى الإمام أحمد الرفاعي، مؤسس الطريقة الرفاعية، وهي إحدى الطرق الصوفية التي تحظى بشعبية واسعة في مصر. وعلى الرغم من أن الإمام أحمد الرفاعي توفي ودفن في قرية أم عبيدة بالعراق سنة 578هـ/1182م، إلا أن التسمية ارتبطت بزاوية قديمة كانت تحمل اسمه، حيث دفن فيها أحد أحفاده الشيخ علي أبو شباك. ومع بناء المسجد الجديد، انتقل الاسم إليه، ليصبح مركزًا سنويًا للاحتفال بمولد الإمام في أجواء روحانية مميزة.
عبقرية التصميم المعماري
يتميز مسجد الرفاعي بزخارفه الهندسية الفريدة التي تزين حوائطه الخارجية، إضافة إلى الأعمدة الضخمة والمآذن الرشيقة التي تضفي عليه طابعًا مميزًا. ومن المفارقات المعمارية أن هذا المسجد كان أول مبنى في تاريخ العمارة الإسلامية يتم استخدام الأسمنت في بنائه، ما جعله علامة فارقة في الانتقال إلى الطراز المعماري الحديث.
مقصد سياحي وتاريخي
يُعد مسجد الرفاعي اليوم واحدًا من أهم المعالم السياحية في القاهرة، حيث يجتذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، سواء من عشاق العمارة الإسلامية أو الباحثين عن الروحانيات الصوفية. كما يضم المسجد مقابر عدد من أفراد الأسرة العلوية، من بينهم الملك فاروق، مما يضفي عليه طابعًا تاريخيًا خاصًا.
وبينما يتجلى المسجد كتحفة معمارية خالدة، يظل شاهدًا على عظمة المصريين في المزج بين التراث الإسلامي والتحديث المعماري، ليبقى مسجد الرفاعي رمزًا خالدًا يجمع بين عبق الماضي وأصالة الحاضر.