سياحة و سفر

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون

في أزقة القاهرة الفاطمية، حيث تتراقص أشعة الشمس على جدرانها العتيقة، يقف مسجد الأقمر شامخًا، شاهدًا على عظمة الحضارة الإسلامية وروعة فنونها. إنه ليس مجرد مسجد، بل هو تحفة فنية تنطق بالتاريخ، وتحكي قصصًا عن عبقرية المعمار الإسلامي وروعة الزخارف الفاطمية.

فمنذ أكثر من تسعة قرون، ظل هذا المسجد أيقونة معمارية تحتضن بين جدرانها عبق التاريخ وسحر الفنون الإسلامية، ليظل معلمًا بارزًا في شارع المعز لدين الله الفاطمي، أحد أقدم شوارع القاهرة التاريخية.

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون
مسجد الأقمر

تاريخ بناء المسجد.. عبقرية معمارية تجسّد فنون الفاطميين
بُني مسجد الأقمر في عام 1125م، بأمر من الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، وتصميم الوزير المأمون بن البطائحي، ليصبح أصغر مساجد القاهرة الفاطمية، وأكثرها تميزًا.

ورغم صغر حجمه، فإن المسجد يعكس إبداع المعمار الإسلامي في الحقبة الفاطمية، حيث تم تشييده على أنقاض دير مسيحي يُعرف باسم “بئر العظمة”، والذي كان يحتوي على عظام بعض شهداء الأقباط.

ومن هنا جاءت تسميته بـ”الأقمر”، نسبة إلى لون حجارته البيضاء التي تتلألأ تحت ضوء القمر، وكأنها تعكس إشراق القاهرة التاريخية عبر العصور.

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون
مسجد الأقمر

تصميم معماري فريد يواكب التحديات الهندسية
يُعد مسجد الأقمر تحفة فنية فريدة من نوعها، حيث تم تصميمه على مساحة غير منتظمة، إلا أن المهندسين أبدعوا في جعله مستطيلًا متناسقًا من الداخل، ليظهر كأنه بني على أرض مستقيمة. يقع المسجد في مدخل شارع النحاسين، بجوار بئر العظام،

وهو أول مسجد في القاهرة صُممت واجهته بحيث تتماشى مع خط تنظيم الشارع، بدلًا من أن تكون موازية للصحن، وذلك حتى يتم توجيه القبلة بشكل صحيح.

هذه التقنية الهندسية جعلت المسجد يبدو مائلًا قليلًا من الداخل، وهو ما أشار إليه المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار”، المعروف بـ”الخطط المقريزية”.

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون
مسجد الأقمر

واجهة المسجد.. لوحة فنية من الزخارف الفاطمية
تُعد واجهة المسجد من أروع الأعمال الفنية في العمارة الفاطمية، حيث صُممت بطريقة هندسية متقنة، وزُينت بنقوش خطية ونباتية بارزة محفورة بالحجر، تتوسطها دوائر زخرفية تحاكي الشمس، وتحمل اسم الإمام علي بن أبي طالب “كرم الله وجهه”.

وتتزين الواجهة بسبعة أشكال للشمس بأحجام مختلفة، وهو أسلوب زخرفي نادر تميزت به المساجد الفاطمية، مثل جامع الحاكم بأمر الله وجامع الجيوشي.

وفي الجزء العلوي من المدخل، نجد نقشًا بديعًا لاسم النبي محمد ﷺ، والإمام علي رضي الله عنه، محاطًا بثلاث حلقات مزخرفة تحمل بالخط الكوفي الآية الكريمة: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا”، وكأن الشمس المشرقة على جدران المسجد تعبّر عن قوله تعالى: “جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا”.

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون
مسجد الأقمر

تصميم داخلي يعكس روح الفن الإسلامي
يتكون مسجد الأقمر من صحن صغير تبلغ مساحته نحو 10 أمتار مربعة، تحيط به ثلاثة أروقة من ثلاث جهات، بينما يضم الجانب الجنوبي الشرقي ثلاثة أروقة أخرى تتجه نحو إيوان القبلة. وقد رُصفت عقود الأروقة بكتابات كوفية مزخرفة ومحمولة على أعمدة رخامية قديمة ذات تيجان مختلفة، مما يعكس التنوع الفني والذوق الرفيع في تصميمه.

ويُعد الأقمر من المساجد المعلقة، حيث كان تحته حوانيت تجارية، وكان ملحقًا به حوض لسقاية الدواب، وهو نمط معماري كان شائعًا في العصور الفاطمية لضمان تحقيق استفادة مجتمعية من المباني الدينية.

وقد استُلهمت واجهة المتحف القبطي بالقاهرة من تصميم واجهة مسجد الأقمر، مع استبدال العبارات الإسلامية بالنقوش المسيحية والصلبان، وهو ما يؤكد عمق التداخل الحضاري بين الفنون الإسلامية والمسيحية في مصر.

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون
مسجد الأقمر

مشروع الترميم.. إحياء أيقونة معمارية خالدة
رغم مرور قرون من الزمن، لا يزال مسجد الأقمر محتفظًا برونقه المعماري، لكنه شهد عمليات ترميم متكررة للحفاظ عليه، كان آخرها في أكتوبر 2022، حيث بدأت أعمال ترميم شاملة للمسجد بتمويل من طائفة البهرة، وبتكلفة بلغت 14 مليون جنيه مصري، تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار.

وجاءت هذه الخطوة ضمن جهود الدولة للحفاظ على تراث القاهرة الفاطمية، التي تُعد واحدة من أهم المناطق المسجلة في قائمة التراث العالمي لليونسكو. وتضمنت أعمال الترميم تنظيف الأحجار ومعالجة التصدعات وإعادة تثبيت النقوش الزخرفية، فضلًا عن تطوير أنظمة الإضاءة والتكييف بما يحافظ على القيمة الأثرية للمسجد.

افتتاح المسجد بعد الترميم.. عودة الروح لمعمار فاطمي خالد
في الثالث عشر من أغسطس 2023، وفي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أُعيد افتتاح مسجد الأقمر بعد الترميم، ليعود مجددًا كتحفة معمارية ناطقة بروعة الفن الإسلامي. واليوم، يستقطب المسجد الزوار وعشاق التاريخ، ليظل منارة للروحانية والجمال المعماري الفاطمي، ووجهة أساسية للسياحة الثقافية في قلب القاهرة.

الأقمر.. مسجد يتلألأ كالقمر في سماء القاهرة الفاطمية
رغم صغر حجمه مقارنة بغيره من المساجد التاريخية، إلا أن مسجد الأقمر يحمل بين جدرانه قصة معمارية فريدة، تعكس عظمة الفاطميين وعبقرية فنونهم الهندسية. وبينما تتلألأ جدرانه البيضاء تحت ضوء القمر، يظل الأقمر شاهدًا خالدًا على تاريخ القاهرة الفاطمية، وتحفة معمارية تشع بنور الحضارة الإسلامية، ليبقى رمزًا للعبقرية الهندسية والتراث العريق.

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون

مسجد الأقمر.. تحفة معمارية فاطمية تضيء قلب القاهرة التاريخية منذ 9 قرون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى