مدينة الخيام في رفح.. تفاصيل مؤامرة إسرائيلية تتصدى لها مصر

في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، فجّرت خطة إسرائيلية مقترحة لإنشاء “مدينة إنسانية” جنوب قطاع غزة جدلًا واسعًا داخل المؤسسة الإسرائيلية، وسط مخاوف دولية وإقليمية من تداعياتها السياسية والديموغرافية.
الخطة، التي لم تأخذ بعد شكلًا عمليًا واضحًا، تقضي بنقل مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين إلى منطقة مغلقة في رفح قرب الحدود المصرية، على أن تُدار من قبل جهات دولية بعيدًا عن سلطة حركة حماس.
خلافات إسرائيلية حادة
طرحت الفكرة لأول مرة وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مطلع يوليو الجاري، بدعوى توفير ملاذ آمن للمدنيين الفلسطينيين، مع تقويض نفوذ حماس. غير أن المشروع قوبل بتحفظات داخلية حادة؛ إذ رفض الجيش الإسرائيلي الخطة بسبب تعقيداتها اللوجستية، وتكلفتها الباهظة، التي قُدرت بما بين 3 و4.5 مليار دولار، إضافة إلى مخاوف من تعقيد محادثات وقف إطلاق النار الجارية.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أبدى هو الآخر تحفظًا على المقترح في صورته الأولية، وطلب بدائل “أرخص وأسرع”، بحسب مصادر إسرائيلية مطلعة حضرت اجتماعًا أمنيًا رفيعًا يوم الأحد الماضي.
اتهامات بالتضليل والتمويه
بينما يرى مؤيدو المشروع أنه وسيلة لتخفيف الكارثة الإنسانية، حذّر معارضون من أنه قد يتحول إلى شكل من “التهجير القسري”، بل وشبّه بعض الساسة الموقع المقترح بـ”معسكر اعتقال”، مذكرين بتجارب تاريخية مريرة.
وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، المعروف بمواقفه المتشددة، اعتبر النقاش برمّته “غطاءً إعلاميًا” لتمرير تنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار، بينما طالب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بخفض تقديرات التكلفة، معتبرًا أنها مبالغ فيها “لإفشال المشروع عمدًا”، على حد تعبيره.
رفض مصري حازم
مصر، من جانبها، جدّدت اليوم الأربعاء رفضها القاطع لأي تغييرات ديموغرافية في قطاع غزة، مؤكدة رفضها القاطع لمشروع “المدينة الإنسانية” أو أي شكل من أشكال التهجير، حتى ولو مؤقتًا.
وجاء التأكيد المصري في اتصال هاتفي بين وزير الخارجية بدر عبد العاطي، ومبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، حيث شدد عبد العاطي على أن مثل هذه الخطط تقوّض الجهود السياسية وتفاقم الأزمة الإنسانية.
مخاوف من التهجير القسري
يرى محللون أن الهدف غير المعلن من المشروع هو خلق ضغط على مصر لقبول تدفق سكان غزة إلى أراضيها، عبر صناعة واقع ديموغرافي جديد تدريجيًا.
ويقول الخبير الاستراتيجي سمير غطاس إن “منع الغذاء لفترة وجيزة فقط قد يدفع السكان للمغادرة طوعًا، ليصبح التهجير لاحقًا أمرًا واقعًا”، محذرًا من المساس بالأمن القومي المصري، وخطورة قرب المشروع من الحدود، بما يتعارض مع اتفاقية رفح 2005.
تساؤلات مشروعة
من جانبه، تساءل زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: “هل سيكون لسكان هذه المدينة حرية الخروج؟ وإن لم تكن، فكيف سيتم منعهم؟ وهل سيتم إحاطتها بسياج؟ كهربائي أم عادي؟ كم جنديًا سيحرسها؟ وماذا لو حاول طفل الخروج منها؟”
بين الحقيقة والدعاية
وفي ظل الغموض الذي يكتنف مستقبل المشروع، يرى بعض المراقبين أن ما يُروَّج كـ”خطة إنسانية” ما هو إلا غلاف ناعم لخطة أعمق تهدف إلى تفكيك المجتمع الغزّي، وفرض تغييرات سكانية تحت غطاء الإغاثة، في لحظة هي الأكثر قسوة في تاريخ القطاع.