كيف أعاد اتفاق غزة الزخم لشعبية نتنياهو وغيّر خريطة القوى في إسرائيل؟

شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية خلال الأيام الماضية تحوّلًا ملموسًا في المزاج الشعبي بعد توقيع اتفاق إنهاء الحرب على غزة وإعادة جميع المحتجزين الإسرائيليين، خلال القمة الدولية للسلام التي استضافتها مصر في مدينة شرم الشيخ يوم الاثنين الماضي.
الاتفاق، الذي جاء بعد شهور من التصعيد العسكري والمناوشات الحدودية، لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل مثل مؤشرًا واضحًا على تحوّل التوازنات الداخلية في الكنيست، ما أعطى دفعة قوية لشعبية الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو بعد فترة من التراجع الكبير في شعبيته.
تحليل استطلاعات الرأي
أظهر استطلاع الرأي الأسبوعي الذي تجريه صحيفة “معاريف” بالتعاون مع مركز “لازار” للأبحاث، ارتفاع شعبية ائتلاف نتنياهو بأربعة مقاعد، ليصل إجمالي كتلة الائتلاف هذا الأسبوع إلى 52 مقعدًا، مقابل 58 مقعدًا للمعارضة، و10 مقاعد للأحزاب العربية.
هذا التحسن يعد انعكاسًا مباشرًا لتأثير الاتفاق على الرأي العام، خصوصًا بعد أن شهد الائتلاف على مدى العامين الماضيين تراجعًا حادًا بسبب سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة في مواجهة غزة، ما أدى إلى احتجاجات واسعة في الشارع الإسرائيلي.
من الملاحظ أن حزب “الصهيونية الدينية” بقيادة وزير المالية اليميني بتسلئيل سموتريتش تجاوز هذه المرة نسبة الحسم، بعد سلسلة إخفاقات سابقة، ما ساهم بشكل مباشر في تعزيز قوة الائتلاف.
وفي المقابل، شهد حزب “يش عتيد” بقيادة يائير لابيد تراجعًا بثلاثة مقاعد ليصل إلى 7 مقاعد، بينما تراجع حزب “يشار” بزعامة جادي إيزنكوت بمقدار مقعدين إلى ستة مقاعد، فيما فشلت أحزاب مثل “بلد” و”أزرق أبيض” في تجاوز عتبة الحسم.
مواجهة المعارضة
الاتفاق لم يؤثر فقط على مكاسب الائتلاف، بل انعكس أيضًا على تراجع دعم أحزاب المعارضة.
حزب “القوة اليهودية” بقيادة الوزير اليميني إيتمار بن غفير شهد انخفاضًا ملحوظًا في شعبيته، في حين فشل حزب “الصهيونية الدينية” سابقًا في تجاوز نسبة الحسم، الأمر الذي أعاد التوازن النسبي لصالح نتنياهو وكتلة الليكود في الكنيست.
هذا التحسن يعكس كيف أن الأحداث الخارجية والدبلوماسية يمكن أن تُحدث تأثيرًا مباشرًا على التوازن الداخلي في البرلمان.
تصريحات قيادات الأحزاب
عقب توقيع الاتفاق، صرح بتسلئيل سموتريتش: “لن تكون هناك حماس في غزة، ولن يكون هناك تهديد لحياة الإسرائيليين من غزة لعقود قادمة، ومن المهم أيضًا أن نقول إنه سيكون هناك استيطان يهودي في غزة، لأنه بدون استيطان على مر الزمن لا يوجد أمن”.
هذه التصريحات تؤكد استمرار الخط السياسي اليميني الذي يمزج بين الدبلوماسية وتحقيق المصالح الاستراتيجية للأحزاب المسيطرة، بينما يُحافظ على الخطوط الحمراء المتعلقة بالمستوطنات والأمن الداخلي.
على الجانب الآخر، ركّز حزب “يش عتيد” والمعارضون على نقاط ضعف الحكومة في إدارة الصراع، معتبرين الاتفاق خطوة للتهدئة، لكنها لا تعالج القضايا الأساسية المرتبطة بالسلام الدائم وحماية المدنيين.
هذا الانقسام يعكس الانقسامات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي بين مؤيد ومتشكك في استراتيجيات الحكومة تجاه غزة.
الرأي العام
رغم تعزيز كتلة الائتلاف، أظهر استطلاع “معاريف” أن حوالي نصف الإسرائيليين (48%) يعتقدون أن إتمام صفقة إعادة المحتجزين يستدعي إجراء انتخابات جديدة، بينما يرى 39% أن الحكومة الحالية يجب أن تستمر، فيما لا يعرف 13% كيف يتعاملون مع الوضع.
هذه النتائج تشير إلى حالة الانقسام في الرأي العام الإسرائيلي، الذي أصبح أكثر انتقادًا للاتجاهات اليمينية المتطرفة، لكنه في الوقت نفسه يتأثر بالنجاحات الدبلوماسية التي تحققت مؤخرًا.
من أين تأتي مكاسب نتنياهو؟
تأتي مكاسب نتنياهو من عدة اتجاهات مترابطة: أولها نجاحه في فرض دور حاسم للائتلاف الحاكم في اتخاذ قرارات السلام، ما أعطاه صورة “القائد القوي” الذي يستطيع حماية إسرائيل.
ثانيًا، تجاوز حزب “الصهيونية الدينية” نسبة الحسم منح نتنياهو مقاعد إضافية داخل الكنيست، وهو ما ساعده على تعزيز كتلة الائتلاف ومنع كتلة المعارضة من تشكيل حكومة بديلة.
ثالثًا، الانقسام في صفوف المعارضة وغياب استراتيجية موحدة يعزز موقعه السياسي على المدى القريب.
مصر حاضنة للسلام
استضافة مصر للقمة الدولية للسلام في شرم الشيخ لعبت دورًا محوريًا في نجاح الاتفاق، حيث قدمت القاهرة منصة محايدة للتفاوض وضمانات للجانبين.
الاتفاق على إعادة المحتجزين الإسرائيليين من غزة أبرز الدور الدبلوماسي المصري كوسيط فاعل، وأعاد الاعتبار لمساعي السلام الإقليمي بعد سنوات من التصعيد والنزاعات المتكررة.
الخلاصة
الاتفاق الأخير حول إنهاء الحرب على غزة وإعادة المحتجزين لم يكن مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل أوجد تحولًا ملموسًا في المشهد السياسي الداخلي لإسرائيل. شعبية الائتلاف الحاكم ارتفعت، المعارضة فقدت جزءًا من نفوذها، والرأي العام بدأ يتكيف مع واقع جديد يتمثل في حكومة أكثر قوة واستقرارًا نسبيًا. ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل ستستمر هذه المكاسب في تعزيز نفوذ نتنياهو، أم أن الضغوط الداخلية والخارجية ستعيد تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي في الأشهر المقبلة؟