كمين بيت حانون يكشف تحوّل حماس إلى حرب العصابات.. وإسرائيل تغرق في معركة بلا نهاية

سلّط الهجوم المعقّد الذي استهدف جنود كتيبة “نتساح يهودا” التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة، الضوء على تحوّل نوعي في تكتيكات حركة حماس، بعد نحو 21 شهرًا من الحرب الشرسة التي شنّتها إسرائيل على القطاع. ففي الوقت الذي توقّعت فيه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والغربية أن الحركة باتت مُنهكة ومُضعفة بفعل الحصار والضربات المتواصلة، جاءت العملية لتثبت العكس، وتؤكد أن حماس أعادت تموضعها بشكل مرن ضمن نمط “حرب العصابات”، وفقًا لتحليل نشرته شبكة CNN الأمريكية.
هجوم في عمق “المناطق المؤمّنة”
الهجوم، الذي وقع في منطقة بيت حانون القريبة من الحدود مع بلدة سديروت الإسرائيلية، نُفذ في منطقة يُفترض أنها خضعت لعمليات “تطهير أمني شامل” من قبل الجيش الإسرائيلي، حسب زعمه. إلا أن كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، أكدت أن مقاتليها تمكنوا من نصب كمين لقوة إسرائيلية بعد رصد تحركاتها، واستهدافها بقذائف الهاون في موقع قيادة وسيطرة شرق حي التفاح.
وأشارت الكتائب في بيانها إلى أن المنطقة التي وقع فيها الهجوم “ظنّ الاحتلال أنها آمنة، بعدما لم يترك فيها حجرًا على حجر”، في إشارة إلى حجم الدمار الذي خلّفته الغارات الإسرائيلية، والتي لم تمنع المقاتلين من إعادة الانتشار وتنفيذ عمليات دقيقة.
مرونة قتالية رغم نفاد الترسانة
ورغم تأكيد CNN على أن حماس استنفدت الجزء الأكبر من ترسانتها الصاروخية خلال أشهر الحرب الطويلة، وباتت غير قادرة إلا على إطلاق صواريخ متفرقة ذات تأثير محدود، إلا أن الشبكة لفتت إلى نقطة فارقة، وهي قدرة مقاتلي الحركة على التكيّف مع المشهد الميداني عبر استخدام الأنقاض، والتنقّل بينها، مستغلين عشرات الآلاف من الذخائر التي خلفها الجيش الإسرائيلي في غزة، لتحويلها إلى عبوات ناسفة بدائية تُستخدم في نصب الكمائن وتفجير المركبات.
وتقول الشبكة إن هذه التحولات تعكس واقعًا جديدًا للصراع، إذ لم تعد المواجهة تدور فقط عبر الجبهات المفتوحة أو إطلاق الصواريخ، بل باتت حربًا معقّدة متعددة الأوجه، تتطلب من الجيش الإسرائيلي إعادة النظر في تقديراته وقدرته على حسم المعركة ميدانيًا.
حماس: معركة استنزاف والمزيد من الأسرى
في بياناتها الأخيرة، وصفت حركة حماس تكتيكاتها الحالية بأنها “معركة استنزاف” مستمرة، تهدف إلى إنهاك الجيش الإسرائيلي على الأرض، ورفع كلفة التوغل داخل القطاع، سواء من خلال الخسائر البشرية أو الضغط النفسي. وألمحت الحركة إلى نيتها توسيع نطاق عمليات الأسر، مشيرة إلى أن “حتى لو تمكنت إسرائيل من تحرير أسراها، فإنها قد تُمنى بفشل أكبر لاحقًا”، وهو ما يعكس استراتيجية طويلة الأمد تتجاوز رد الفعل المباشر.
وتجلى هذا التصعيد يوم الأربعاء الماضي، عندما استهدف مقاتلو حماس مركبة هندسية إسرائيلية في خان يونس، بقذيفة صاروخية، ثم هاجموها مباشرة أثناء محاولة سائقها الفرار، في مشهد يُعيد للأذهان أساليب الكمائن القتالية الكلاسيكية.
انفجار غزة مقابل سرعة إيران
قارن تقرير شبكة CNN بين صعوبة العمليات الإسرائيلية في غزة، وسهولة وسرعة العملية العسكرية الأخيرة التي شنتها تل أبيب ضد إيران، والتي نُفذت خلال 12 يومًا جوًا وبرًا دون وقوع خسائر في صفوف القوات الإسرائيلية. وذكّرت الشبكة بأنه منذ وقف إطلاق النار مع طهران، لقي ما لا يقل عن 19 جنديًا إسرائيليًا مصرعهم في غزة، كان أبرزهم سبعة جنود قُتلوا إثر استهداف مدرعة جنوب القطاع بعبوة حارقة أُلقيت داخلها.
قيادة لامركزية وحرب الخلايا
الجنرال المتقاعد “إسرائيل زيف”، الرئيس السابق لمديرية العمليات في جيش الاحتلال، أكد في تصريحاته لـCNN أن ما يجري على الأرض يُظهر أن حماس تحولت من حركة مقاومة تعتمد على جبهة موحدة إلى شبكة خلايا صغيرة لا مركزية، تستخدم مرونتها في التسلل والكمائن، دون الحاجة إلى التمركز أو الدفاع عن أرض محددة.
وأضاف أن “ما تبقى من حماس اليوم هو قوة فضفاضة لكنها منظمة على نحو مرن، تعتمد في عملياتها على مباغتة العدو واستهداف نقاط ضعفه، لا سيما في ظل الإنهاك البشري والذهني الذي أصاب القوات الإسرائيلية بفعل طول فترة المعارك”.
الأنفاق تعود للمشهد
ورغم الضربات المتكررة على شبكة الأنفاق في غزة، إلا أن تقرير CNN يشير إلى أن حماس لا تزال تستخدم ما تبقى من هذه الشبكة المعقّدة في التنقل والاختباء والتخطيط، مستفيدة من كل ما يمكن استغلاله لشن هجمات مفاجئة وسريعة يصعب تتبعها.
خلاصة المشهد
تحليل CNN يعكس صورة مقلقة للقيادة الإسرائيلية، التي وجدت نفسها أمام خصم يبدو أكثر تكيّفًا ومناورة مما كان متوقعًا. فحركة حماس، رغم الضربات والحصار، أثبتت أن قدرتها على إعادة التمركز والتأقلم مع تغيرات ساحة المعركة يجعل من تحقيق “النصر الكامل” أمرًا أكثر تعقيدًا مما كان مخططًا له.
وإلى أن تتمكن إسرائيل من التعامل مع “حرب العصابات” التي تخوضها حماس، ستظل قواتها في غزة عرضة للهجمات المباغتة، وسيبقى هدف “القضاء على حماس” شعارًا بعيد المنال، في معركة تتجاوز الحسابات العسكرية إلى عمق معقد من الإرادة، والتكتيك، والاستنزاف.