قمة وزراء خارجية مجموعة الـ7.. توافقات هشة وانقسامات تهدد الاستقرار الدولي

شهدت مدينة شارلفوا الكندية، خلال الفترة من 12 إلى 14 مارس 2025، اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية، التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وبريطانيا، وكندا، بالإضافة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي.
وناقش الاجتماع أبرز القضايا التي تشغل الساحة الدولية، وسط تحديات متصاعدة تهدد الاستقرار العالمي، من بينها الحرب في أوكرانيا، والتوترات في الشرق الأوسط، والأوضاع في المحيطين الهندي والهادئ، إلى جانب الأزمات في السودان والكونغو الديمقراطية وهايتي وفنزويلا.
أوكرانيا.. دعم مشروط ومخاوف من استمرار الحرب
حازت الأزمة الأوكرانية على الحيز الأكبر في البيان الختامي، إذ أكدت دول المجموعة دعمها المستمر لكييف في الدفاع عن وحدة أراضيها وسيادتها، مرحبة بالجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار.
إلا أن هذا الدعم أُحيط بشروط جديدة، أبرزها مطالبة واشنطن لكييف بعقد اتفاقية لتوريد المعادن الثمينة للولايات المتحدة كتعويض عن تكاليف الدعم العسكري والاقتصادي، وهو ما يعكس توجهاً أمريكياً نحو تقاسم الأعباء مع الأوروبيين، الذين يسعون في المقابل إلى تعزيز استقلاليتهم الأمنية بعيدًا عن واشنطن.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعاد طرح فكرة توسيع نطاق الردع النووي الفرنسي ليشمل الحلفاء الأوروبيين، في إشارة إلى تصاعد القلق داخل القارة العجوز بشأن إمكانية تراجع الدعم الأمريكي مستقبلاً.
ورغم الإجماع على ضرورة استمرار دعم أوكرانيا، إلا أن الخلافات حول طبيعة وآلية هذا الدعم تظل قائمة بين ضفتي الأطلسي.
الشرق الأوسط.. انحياز لإسرائيل وتراجع عن حل الدولتين
عند التطرق إلى الأوضاع في الشرق الأوسط، بدا بيان مجموعة السبع منحازاً إلى إسرائيل بشكل واضح، حيث شدد على ضرورة الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس في غزة، دون الإشارة إلى الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الأراضي الفلسطينية.
كما دعا إلى استئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف إطلاق النار، لكنه تجنب ذكر حل الدولتين، الذي كان أحد الثوابت في بيانات المجموعة السابقة، مما يعكس تحولات في المواقف الغربية تتماشى مع توجهات الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب.
وفيما يخص الأوضاع في سوريا ولبنان، أكد البيان دعم الشعبين السوري واللبناني في مساعيهما نحو مستقبل أكثر استقراراً، وشدد على ضرورة الحفاظ على سيادة البلدين.
إلا أن البيان تبنى الخطاب الأمريكي المتشدد تجاه إيران، واصفاً إياها بأنها “المصدر الرئيسي لانعدام الاستقرار في المنطقة”، مع التأكيد على رفض امتلاكها أسلحة نووية.

المحيطين الهندي والهادئ.. تصعيد ضد الصين وحذر اقتصادي
شهد البيان الختامي للمجموعة لهجة أكثر حدة تجاه الصين مقارنة بالسنوات السابقة، حيث أكدت دول السبع التزامها بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ “حرة ومفتوحة”،
وأعربت عن قلقها من السياسات الصينية في بحر الصين الجنوبي، محذرة بكين من أي محاولات لتغيير الوضع الراهن بالقوة، في إشارة إلى ملف تايوان.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، سارع إلى انتقاد البيان، متهماً دول السبع بمحاولة تقويض سيادة بلاده، مؤكداً أن “مفتاح الاستقرار في مضيق تايوان يكمن في التزام الجميع بمبدأ الصين الواحدة”.
وعلى الرغم من الانتقادات السياسية، حاولت دول المجموعة تهدئة المخاوف الاقتصادية، مشددة على أنها لا تهدف إلى كبح نمو الصين، وإنما تسعى لضمان “تجارة عادلة ومتوازنة”.

الأزمات الإفريقية.. دعم محدود وخطاب دبلوماسي
خصصت المجموعة حيزاً للأزمات في السودان والكونغو الديمقراطية، لكنها اكتفت بدعوات لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، دون تقديم التزامات واضحة لحل النزاعات المتفاقمة. يأتي ذلك في ظل تنافس متزايد بين القوى الكبرى على النفوذ في القارة الإفريقية، حيث تحاول كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا تأمين موطئ قدم في الدول الغنية بالموارد الطبيعية.
وفي ملف هايتي وفنزويلا، أكدت دول السبع دعمها لجهود استعادة الديمقراطية والاستقرار، مع التركيز على مكافحة الفساد في هايتي ودعم الشرطة الوطنية.
أما بشأن فنزويلا، فجددت المجموعة دعوتها لاستعادة الديمقراطية وفقاً “لرغبة الشعب الفنزويلي”، دون الإشارة إلى أي إجراءات ملموسة لدفع الحوار السياسي إلى الأمام.
انقسامات داخلية وأفول الهيمنة الغربية
رغم محاولات إظهار التماسك، كشفت مداولات قمة مجموعة السبع عن تباينات واضحة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الدعم لأوكرانيا والتعامل مع الصين. كما يعكس البيان تراجع الهيمنة الغربية المطلقة على القرارات الدولية، في ظل صعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا، واتساع الهوة بين المصالح الأمريكية والأوروبية.
وبينما تحاول دول السبع إعادة ترتيب أوراقها لمواجهة التحديات المتزايدة، تظل قدرتها على فرض رؤيتها على العالم محل تساؤل، في ظل تشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، حيث لم تعد الكلمة العليا حصرية للغرب كما كانت في العقود الماضية.