تقارير وتحليلات

قمة باريس لدعم أوكرانيا.. أوروبا تبحث عن دور في ظل التقارب الأمريكي الروسي

وسط تحولات جوهرية في المشهد السياسي الدولي، احتضنت باريس قمة أوروبية استثنائية في 27 مارس 2025، بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في محاولة لبلورة موقف موحد لدعم أوكرانيا، وبحث آفاق تحقيق السلام في ظل المفاوضات المباشرة التي أطلقتها الولايات المتحدة مع روسيا وأوكرانيا دون مشاركة أوروبية.

هذا التطور أثار تساؤلات عميقة حول قدرة أوروبا على تأكيد حضورها في معادلة الصراع، في وقت يراه البعض خصمًا من رصيد العلاقات الأوروبية-الأمريكية، لا سيما بعد تولي دونالد ترامب ولاية ثانية، ومطالبته أوروبا بتحمل مسؤولية أمنها.

قمة باريس لدعم أوكرانيا.. أوروبا تبحث عن دور في ظل التقارب الأمريكي الروسي
قمة باريس

أهداف القمة.. مساعٍ لتوحيد الموقف الأوروبي
1- تعزيز الموقف التفاوضي لأوكرانيا
أحد المحاور الرئيسية التي سعت القمة إلى تحقيقها هو تقوية الموقف الأوكراني في أي مفاوضات قادمة. فمع انطلاق محادثات أمريكية مباشرة مع روسيا وأوكرانيا، سادت مخاوف أوروبية من ضغوط أمريكية على كييف للقبول بخطة سلام لا تتوافق مع رؤيتها.

وهو ما دفع ماكرون إلى التأكيد على ضرورة وضع أوكرانيا في أفضل موقع تفاوضي، مع دراسة آليات لمراقبة وقف إطلاق النار المحتمل بين موسكو وكييف.

2- تدشين قوة أوروبية مشتركة في أوكرانيا
قبل انعقاد القمة بيوم واحد، طرح ماكرون فكرة نشر قوة أوروبية في أوكرانيا ضمن اتفاق سلام محتمل، بحيث تكون قادرة على الردع حال استئناف روسيا لهجماتها.

ورغم تأكيده أن هذه القوة لن تكون قوة تدخل مباشر أو مراقبة، فإن هذا الاقتراح وُجِه بتساؤلات حول إمكانية تشكيله وتحقيق توافق أوروبي بشأنه.

قمة باريس لدعم أوكرانيا.. أوروبا تبحث عن دور في ظل التقارب الأمريكي الروسي
قمة باريس

3- بناء استراتيجية دفاعية أوروبية
انعقاد القمة تزامن مع تصعيد روسي، أعاد طرح رؤية ماكرون التي أعلنها في جامعة السوربون عام 2024 بشأن الحاجة إلى استراتيجية دفاعية أوروبية مستقلة، تتعامل مع التحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة، وتعزز قدرة القارة على مواجهة التهديدات العسكرية، دون الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة.

4- تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا
أحد أبرز محاور النقاش كان بحث سبل توفير ضمانات أمنية لكييف حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، حيث شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على أن دعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا يمثل خطوة أساسية لضمان استقرار الأمن الأوروبي.

5- ترسيخ دور أوروبي في التسوية
مع استبعاد القارة من المفاوضات الأمريكية-الروسية، سعت القمة إلى بحث كيفية تعزيز الدور الأوروبي في المشهد الدبلوماسي. وفي هذا السياق، تعهد ماكرون بتقديم دعم عسكري فرنسي إضافي بقيمة ملياري يورو، يشمل أسلحة متطورة لتعزيز قدرات الدفاع الأوكرانية.

قمة باريس لدعم أوكرانيا.. أوروبا تبحث عن دور في ظل التقارب الأمريكي الروسي
قمة باريس

تحديات تواجه المبادرة الأوروبية
رغم الطموحات الكبيرة التي حملتها قمة باريس، إلا أن العديد من العقبات تهدد بتحجيم تأثيرها:

1- تردد أوروبي بشأن القوة المشتركة
على الرغم من الحماسة الفرنسية والبريطانية لفكرة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا، فإن معظم الدول الأوروبية بدت مترددة في الانخراط بمثل هذا الالتزام، خشية التصعيد المباشر مع موسكو، وهو ما انعكس في تأكيد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن أي وجود عسكري بريطاني سيكون مشروطًا بالدعم الأمريكي.

2- الرفض الروسي القاطع
اعتبرت موسكو أن أي وجود عسكري أوروبي في أوكرانيا يمثل استفزازًا خطيرًا قد يؤدي إلى صدام مباشر مع الناتو. المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، اتهمت فرنسا وبريطانيا بالتخطيط لتدخل عسكري تحت غطاء “مهمة حفظ سلام”، محذرة من عواقب هذا التحرك.

مستقبل الدور الأوروبي في الحرب الأوكرانية
على الرغم من محاولة باريس رسم مسار أوروبي مستقل لدعم أوكرانيا، إلا أن العقبات السياسية والعسكرية جعلت من الصعب تحقيق اختراق حقيقي في القمة. ومع استمرار التردد الأوروبي، تبقى واشنطن الطرف الأكثر تأثيرًا في تحديد مصير الحرب، ليظل مستقبل الأمن الأوروبي مرهونًا بمواقف البيت الأبيض، حتى إشعار آخر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى