قفزة تشريعية غير مسبوقة.. 8 مواد في قانون العمل الجديد تضع مصر في مصاف الدول المتقدمة في حماية الأم العاملة

في خطوة تاريخية تعكس التزام الدولة المصرية بتعزيز دور المرأة في سوق العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية، بدأ تطبيق قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 اعتباراً من الأول من سبتمبر 2025، حاملاً في طياته ما يمكن وصفه بـ”ميثاق تشريعي جديد” لحقوق المرأة العاملة.
هذا القانون، بضماناته الاستثنائية، لا يكتفي بالمساواة التقليدية، بل يذهب إلى أبعد مدى ليؤسس لبيئة عمل صديقة للأمومة، تضع مصر في مصاف الدول الأكثر تقدماً في حماية هذه الحقوق.
الفصل الثالث: ثماني مواد ثورية تعيد رسم خريطة الحقوق
يُعدّ الفصل الثالث من القانون، والمعنون بـ”تشغيل النساء”، هو قلب هذا التحول التشريعي. ففي ثماني مواد (من 53 إلى 60)، أعاد المشرع المصري صياغة العلاقة بين المرأة وسوق العمل، مقدمًا حزمة ضمانات غير مسبوقة:
1. المساواة المطلقة في الأجر وعدم التمييز (المادة 53): القفزة نحو العدالة
وضع القانون حجر الزاوية للمساواة الكاملة في الأجر، حيث أكدت المادة (53) على خضوع النساء لجميع الأحكام المنظمة للعمال دون أي تمييز. الأهم، أنها ألزمت بضمان حصول الذكور والإناث على أجر متساوٍ لقاء العمل ذي القيمة المتساوية.
هذا لا يشمل الراتب الأساسي فحسب، بل يمتد إلى كافة صور الأجر من علاوات، حوافز، وبدلات. هذه المادة تنهي أي ممارسات تمييزية في الأجور وتضمن العدالة المالية للمرأة.
كما منحت المادة صلاحية للوزير المختص بتحديد الأعمال التي لا يجوز تشغيل النساء فيها، بالتشاور مع المجلس القومي للمرأة والطفولة والأمومة، لضمان حماية الأمومة والصحة المهنية.
2. إجازة الوضع: أربعة أشهر مدفوعة الأجر (المادة 54)
في خطوة تجاوزت كل التشريعات السابقة، رفعت المادة (54) مدة إجازة الوضع إلى أربعة أشهر كاملة (تشمل ما قبل وما بعد الولادة)، على ألا تقل مدة الإجازة الفعلية بعد الوضع عن 45 يوماً. والأهم هو كونها مدفوعة الأجر بالكامل.
ورغم تحديدها بثلاث مرات طوال مدة الخدمة، فإنها تمثل دعماً هائلاً للأمومة. وتضمّنت المادة تدابير حمائية إضافية، هي:
تخفيض ساعات العمل اليومية للحامل ساعة واحدة على الأقل بدءاً من الشهر السادس.
حظر تشغيل الحامل ساعات إضافية طوال فترة الحمل وحتى ستة أشهر بعد الولادة.
3. حماية محصنة ضد الفصل التعسفي (المادة 55)
لتأمين مستقبل المرأة العاملة، شددت المادة (55) على حق العاملة في العودة إلى وظيفتها أو وظيفة مماثلة بكامل مزاياها بعد انتهاء إجازة الوضع.
وحظرت المادة صراحة فصل العاملة أو إنهاء خدمتها أثناء إجازة الوضع أو بعدها، إلا إذا استطاع صاحب العمل أن يُثبت أن الفصل يستند إلى سبب مشروع لا علاقة له بالحمل أو الإنجاب.
هذا النص يوفر “درعاً” قانونياً يحمي المرأة من أي ممارسة تمييزية بسبب الأمومة.
4. فترات رضاعة مدفوعة الأجر (المادة 56)
تؤكد المادة (56) على دعم الرضاعة الطبيعية، حيث منحت العاملة المرضعة خلال السنتين التاليتين للوضع الحق في فترتي رضاعة إضافيتين لا تقل مدة كل منهما عن نصف ساعة، تُحتسبان من ساعات العمل دون أي تخفيض في الأجر. كما سمحت بضم الفترتين، مما يمنح المرأة المرونة اللازمة للعناية بطفلها.
5. إجازة رعاية الطفل “بدون أجر” (المادة 57)
أقرت المادة (57) حق العاملة في المنشآت التي يزيد عدد عمالها عن خمسين عاملاً في الحصول على إجازة “دون أجر” لرعاية طفلها لمدة تصل إلى عامين، وتُمنح لثلاث مرات طوال فترة الخدمة.
ورغم كونها دون أجر، إلا أنها توفر ضمانة للحفاظ على الوظيفة والسماح للأم بالتفرغ لرعاية طفلها في سنواته الأولى دون قلق فقدان العمل.
6. حظر التمييز بسبب الحالة الاجتماعية (المادة 58)
للقضاء على التمييز السافر، حظرت المادة (58) إنهاء خدمة العاملة أو فصلها بسبب الزواج أو الحمل أو الإنجاب.
هذا النص يؤكد حق المرأة في الاستمرار في عملها دون أن يؤثر وضعها الاجتماعي أو الأسري على حقوقها القانونية أو التأمينية، مشترطاً إخطار صاحب العمل خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الواقعة.
7. إلزام بـ “نظام تشغيل النساء” (المادة 59)
ألزمت المادة (59) أصحاب العمل بوضع نظام واضح لضوابط وساعات تشغيل النساء، بما في ذلك ترتيبات خاصة لـالعمل عن بُعد للأمهات اللاتي يرعين أطفالاً دون سن الرابعة.
هذا الالتزام يهدف إلى خلق بيئة عمل أكثر مرونة وملاءمة لاحتياجات الأم العاملة.
8. إلزام توفير دور حضانة في أماكن العمل (المادة 60)
في خطوة عملية لدعم التوفيق بين العمل والأسرة، ألزمت المادة (60) أصحاب العمل الذين يستخدمون مائة عاملة فأكثر في مكان واحد بـإنشاء دار للحضانة أو التعاقد مع دار لرعاية أطفال العاملات.
كما ألزمت المنشآت الأصغر حجماً الواقعة في منطقة واحدة بـالاشتراك في تلبية هذا الالتزام.
ويجوز لصاحب العمل أن يتحمل تكاليف الرعاية كاستثناء، مما يخفف عبء الرعاية عن كاهل المرأة العاملة.
ميثاق جديد لملايين النساء
إن هذه المواد الثماني لا تمثل مجرد تعديلات قانونية، بل هي ميثاق جديد يرسخ مفاهيم العدالة والحماية الاجتماعية للمرأة العاملة.
ومع بدء تطبيقه، ينتظر ملايين النساء المصريات في سوق العمل تغييراً جذرياً في بيئة العمل، يضمن حقوقهن ويعزز مشاركتهن الفعّالة والمستدامة في بناء الاقتصاد الوطني.



