في ذكرى رحيله الـ40.. الشيخ محمود علي البنا سفير القرآن الذي أبكى المسجد النبوي

في مثل هذا اليوم، 20 يوليو من عام 1985، رحل عن عالمنا أحد أعظم قرّاء القرآن الكريم في تاريخ مصر والعالم الإسلامي، الشيخ محمود علي البنا، الذي امتد عطاؤه لأكثر من ثلاثين عامًا، وترك بصمة لا تُنسى في قلوب عشاق التلاوة والقرآن.
ولد الشيخ البنا في 17 ديسمبر 1926 بقرية شبرا باص التابعة لمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، في أسرة عريقة تنتمي نسبًا إلى الإمام الحسين بن علي، رضي الله عنهما. وقد وُهب منذ ولادته للقرآن الكريم، فأتم حفظه في سن الحادية عشرة، ليُلقب لاحقًا بـ”الطفل المعجزة”.
من طنطا إلى القاهرة.. بداية المسيرة الذهبية
تلقى البنا علوم القراءات في الجامع الأحمدي بطنطا، ثم انتقل إلى القاهرة عام 1945، وهناك تعلّم المقامات والموسيقى على يد الشيخ درويش الحريري، وبعد عامين فقط، التحق بالإذاعة المصرية عام 1948 كأصغر قارئ معتمد، بعمر لا يتجاوز العشرين، بعد أن أبهَر الحاضرين بتلاوته في احتفالية الشبان المسلمين.
أداء متفرّد وتلاوات خالدة
امتاز الشيخ محمود علي البنا بأسلوب تلاوة مميز يجمع بين الخشوع والمقامات الصوتية الراقية، وهو ما جعل مركز الأزهر للفتوى يصفه بأنه صاحب “مدرسة تلاوة خاصة”، فيما قالت عنه ابنته الكاتبة آمال البنا في سيرتها التي حملت عنوان “صوت تحبه الملائكة”، أن صوته كان مؤنسًا ومُلهِمًا.
وقد خلّف البنا للإذاعة المصرية مصحفًا مرتلًا سجله عام 1967، وآخر مجوّد، بالإضافة إلى تسجيلات في إذاعات عربية عدة، كما ظل قارئًا رسميًا لمساجد كبرى، أبرزها مسجد الإمام الحسين بالقاهرة، والجامع الأحمدي بطنطا الذي ظل يرتل فيه نحو 20 عامًا.
واقعة المسجد النبوي وبكاء الأحزاب
من أبرز المواقف التي رُويت عن الشيخ البنا، ما حدث خلال زيارته للمسجد النبوي، عندما قرأ سورة الأحزاب، وتوقف عند الآية الكريمة:
“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا”
وأعادها 21 مرة، وانخرط في بكاء شديد، وحينما سُئل عن السبب، قال: “رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُطرب لهذه الآية، ولم أتجاوزها حتى أذن لي بذلك.”
تكريم بعد الرحيل
نال الشيخ البنا خلال حياته العديد من الأوسمة، أبرزها ميدالية القوات الجوية عام 1982، ودرع الإذاعة في عيدها الذهبي عام 1984. وبعد وفاته، تم تكريمه بإطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بالغربية، ومنحته الدولة وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في احتفالية ليلة القدر بعد خمس سنوات من وفاته.
بصيرة النهاية
في أواخر حياته، شعر الشيخ البنا بقرب رحيله، فكتب وصيته، وأوصى أن يُدفن معه شريط قرآن، وأملى بنفسه نعيه على نجله الأكبر. ودفن في الضريح الذي بناه بنفسه بجوار مسجده في قريته، لتبقى ذكراه حية بين أهله ومحبيه.
وفي خريطة تلاوات إذاعة القرآن الكريم حتى اليوم، يبقى اسم الشيخ محمود علي البنا رمزًا خالداً بين كبار قرّاء القرآن، إلى جانب الحصري وعبدالباسط والشعشاعي، كأعمدة لمدرسة التلاوة المصرية الأصيلة التي لا تزال تتردد أصداؤها في أرجاء العالم الإسلامي