تقارير وتحليلات

غزة بين الأجندة الأمريكية وحسابات ترامب.. هل ما زالت الخطة على رأس الأولويات؟

منذ أن كشفت صحيفة واشنطن بوست وثيقة تتعلق بمستقبل غزة، دخل المشهد السياسي مرحلة أكثر تعقيدًا. الخطة، التي رُوّج لها على أنها مشروع لإعادة إعمار القطاع وتحويله إلى ما يشبه “ريفيرا الشرق الأوسط”، أثارت جدلًا واسعًا حول النوايا الأمريكية والإسرائيلية الحقيقية، وحول ما إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تزال تعتبر السيطرة على غزة أولوية قصوى في سياستها الشرق أوسطية.

البعد الاستراتيجي
تقوم الخطة على فرض “وصاية أمريكية” على القطاع لمدة عشر سنوات، مع إقامة مدن ذكية، ومشروعات استثمارية ضخمة، وميناء ومطار دوليين، فضلًا عن مقترحات مثيرة للجدل مثل تهجير أعداد كبيرة من السكان تحت غطاء “الهجرة الطوعية”.
ورغم كل ما تحمله الخطة من وعود اقتصادية، إلا أنها تُترجم عمليًا إلى تكريس نفوذ إسرائيلي-أمريكي مباشر في غزة، بعيدًا عن أي مسار سياسي جاد يقود إلى دولة فلسطينية مستقلة.

أولويات ترامب.. الداخل والخارج
لا يمكن تجاهل أن ترامب يواجه أجندة مزدحمة داخليًا، من التوترات الاقتصادية والاجتماعية إلى الصراع مع الديمقراطيين. خارجيًا، تظل الصين وروسيا وإيران ملفات أكثر إلحاحًا من غزة.

لكن رغم ذلك، يظل المشروع مطروحًا كورقة استراتيجية تتيح له تحقيق أكثر من مكسب: تعزيز التحالف مع إسرائيل، واختبار مدى استعداد دول عربية للانخراط في استثمارات ضخمة تعيد إحياء مسار التطبيع، وتقديم نفسه كصانع “سلام اقتصادي” يعيد تشكيل المنطقة.

عقبات الشرعية الدولية
المعضلة الأساسية التي تواجه الخطة هي غياب الشرعية القانونية والسياسية. فالمجتمع الدولي لا يعترف بحق الاحتلال الإسرائيلي أو أي قوة أخرى في التصرف بأراضي غزة أو تقرير مصير سكانها.

كما أن نقل أو تهجير الفلسطينيين يتعارض مع اتفاقية جنيف الرابعة، ما يجعل أي محاولة لفرض هذه الرؤية عرضة للاصطدام بجدار الرفض الدولي، خاصة من أوروبا والأمم المتحدة.

ما بين الأولوية والأداة التكتيكية
من هنا، يمكن القول إن غزة ليست أولوية مطلقة لإدارة ترامب بقدر ما هي أداة تكتيكية تُستخدم لتحقيق أهداف أوسع. فهي ورقة ضغط على الفصائل الفلسطينية لإضعافها سياسيًا وعسكريًا، وأداة مساومة مع العواصم العربية لضمان تدفق التمويل والاستثمارات، فضلًا عن كونها منصة دعائية لترامب يقدّم عبرها نفسه كمهندس “صفقة القرن الاقتصادية”.

الخلاصة
الخطة الأمريكية الإسرائيلية بشأن غزة قد لا تكون في مقدمة أجندة ترامب المزدحمة، لكنها بالتأكيد لم تُسحب من الطاولة، نجاحها يتوقف على مدى قدرة واشنطن على توفير غطاء سياسي ودولي، وعلى استعداد الأطراف العربية للانخراط فيها، وعلى قدرة إسرائيل على فرض وقائع جديدة على الأرض.

وفي ظل تعقيدات المشهد الراهن، قد تبقى الخطة مجرد مشروع نظري يُستخدم للضغط والمساومة، أكثر من كونها رؤية قابلة للتنفيذ في المدى القريب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى