عودة الجندي عيدان ألكسندر بعد 584 يومًا من الأسر في غزة.. خطوة صغيرة على طريق مفاوضات كبرى

في لحظة ملبدة بالغيوم، سياسيًا ومناخيًا، وعلى وقع القصف المستمر الذي لم تهدأ أصداؤه منذ 7 أكتوبر 2023، عاد الجندي الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر إلى إسرائيل بعد أكثر من 19 شهرًا من الاحتجاز في قطاع غزة، في عملية رمزية تكشف عن مفترق طرق سياسي وأمني وإنساني قد يعيد رسم مسار المفاوضات في واحد من أعقد ملفات الحرب الدامية.
قافلة العودة.. في عتمة الغضب والأمل
أعلنت حركة حماس أنها سلمت الجندي عيدان ألكسندر إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد احتجازه منذ اليوم الأول للهجوم على مستوطنات الغلاف، في عملية تمت قرب خان يونس جنوب القطاع، وسط طقس عاصف واستنفار أمني إسرائيلي مكثف. وبحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت”، نُقل ألكسندر عبر ممر آمن إلى داخل إسرائيل، ليتوجه فورًا إلى مجمع استيعاب عسكري تمهيدًا لإخضاعه لفحوص طبية ونفسية.
ألكسندر، البالغ من العمر 20 عامًا، كان أحد 251 شخصًا احتجزتهم حماس في السابع من أكتوبر، وهو آخر أمريكي على قيد الحياة يتم الإفراج عنه حتى الآن.
ترامب يدخل المشهد.. ومروحية تفتح نافذة على صفقة قادمة
مروحية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي أقلّت كلًا من جال هيرش، منسق ملف الأسرى والمفقودين، والمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، أحد المقربين من الرئيس دونالد ترامب، الذي سارع إلى تهنئة عائلة ألكسندر واصفًا العملية بأنها “نصر للحرية والأمريكيين”.
المفارقة أن ترامب عاد إلى الواجهة بهذه العملية، رغم خروجه السابق من البيت الأبيض، حيث تتقاطع تحركاته الشخصية مع حملة انتخابية شرسة يسعى من خلالها لإبراز قوته في السياسة الخارجية. ويبدو أن الإفراج عن ألكسندر جزء من خطة تفاوضية أوسع يقودها ويتكوف، وافقت عليها إسرائيل مسبقًا، وتقوم على ما يسمى بـ”سياسة التفاوض تحت النار” – أي أن التهدئة لن تكون شرطًا للمحادثات، بل ستجري المفاوضات بالتوازي مع العمليات العسكرية.
اتصال نتنياهو وترامب.. والتلميح إلى صفقة شاملة
عقب تسلم ألكسندر، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصالًا هاتفيًا مع ترامب، بحثا فيه مستقبل المحتجزين الباقين، البالغ عددهم وفق تقديرات أمريكية 59 شخصًا، بينهم 21 على قيد الحياة. وعقد نتنياهو لاحقًا اجتماعًا أمنيًا مصغرًا مع رؤساء الأجهزة الأمنية لإطلاعهم على نتائج المحادثة.
بحسب شبكة CBS الأمريكية، ترى واشنطن في هذه الخطوة مدخلًا لمفاوضات أوسع، بينما شددت حماس في بيان لها على أن الإفراج جاء ضمن “جهود وساطة دولية للتوصل إلى وقف إطلاق النار وفتح المعابر”، في تأكيد على أن العمل السياسي لا يزال حاضرًا رغم التصعيد الميداني.
أولويّة الجنسية تثير الجدل داخل إسرائيل
لكن الحدث لم يمر بهدوء داخل الأوساط الإسرائيلية. تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن واشنطن “لن تتوقف حتى يعود كل أمريكي محتجز” أثارت ردود فعل غاضبة. الصحفي آفي أشكنازي كتب في “معاريف”: “كل أم يهودية باتت تعلم أن ابنها، إن لم يحمل جوازًا أمريكيًا، فقد يواجه مصيرًا مختلفًا”. هكذا اشتعل جدل داخلي حول ما إن كانت الجنسية المزدوجة تمنح امتيازات إنقاذ لا تُتاح لغيرها، في وقت تتواصل فيه معاناة عشرات العائلات الإسرائيلية التي تجهل مصير أبنائها.
“الأمل يولد من الرماد”.. عائلات الأسرى تترقب المصير
منتدى عائلات المحتجزين أصدر بيانًا رحّب فيه بالإفراج عن ألكسندر، لكنه شدد على أن “هذه اللحظة يجب أن تكون بداية لاتفاق شامل”، داعيًا نتنياهو وترامب إلى عدم الاكتفاء بالرمزية، بل البناء على هذه الخطوة لإعادة جميع الأسرى، دون تمييز.
ورغم الفرح الحذر، يعكس هذا الملف أزمة أعمق في الوجدان الإسرائيلي، حيث يتحول الأسير إلى رمز سياسي تُقاس أهميته بما يمثله دوليًا، لا فقط إنسانيًا، ما يفتح الباب أمام انقسامات داخلية قد تتفاقم كلما طالت الحرب وتأخرت الحلول.
ما بعد عيدان ألكسندر.. مفاوضات تتأرجح بين الضغط والنوايا
بحسب شبكة CNN، فإن إطلاق ألكسندر “يشكّل بداية محتملة لمفاوضات فورية حول صفقة أكبر”. لكن تلك المحادثات ستجري في ظل استمرار القصف والمعارك، ما يعكس معادلة شديدة الحساسية: الضغط العسكري مقابل بوادر حسن النية.
الرسالة واضحة: حماس مستعدة لتقديم مزيد من “الإفراجات الجزئية”، لكن وفق معادلة تحفظ لها أوراق القوة، فيما تراهن إسرائيل على استنزاف عسكري مستمر، قد يُرغم الحركة على تنازلات أكبر دون أن تُوقف إطلاق النار. أما الولايات المتحدة، فتمسك بالخيط الإنساني – السياسي الذي قد يحدد مصير الملف برمته، وربما حتى شكل الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب.
خلاصة المشهد
الإفراج عن عيدان ألكسندر ليس نهاية مأساة، بل بداية فصل جديد من فصول التفاوض المعقدة، حيث تتقاطع الأوراق السياسية مع الألم الإنساني، وتُختبر نوايا الأطراف وسط أنقاض غزة ودماء الأبرياء. إنه مشهد يقول فيه كل طرف شيئًا مختلفًا، لكن الجميع يتفقون على أمر واحد: أن القادم أصعب، وأن الصفقة الأكبر لا تزال تنتظر شجاعة القرار، لا مجرد رمزية الصورة.