عاصفة خسائر تضرب وول ستريت بسبب ترامب.. شركات التكنولوجيا تخسر 2.2 تريليون دولار

تكبدت كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية خسائر قياسية بلغت 2.2 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ بداية العام الجاري، في ظل استمرار التداعيات السلبية للسياسات التجارية الحمائية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتفوق هذه الخسائر إجمالي القيمة السوقية للبورصتين الأسترالية والنيوزيلندية مجتمعتين، ما يعكس مدى عمق الأزمة التي تعصف بعمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة.
900 مليار دولار تتبخر في يوم واحد
في يوم 27 يناير 2025 وحده، فقدت خمس شركات تكنولوجية كبرى ما يقرب من 900 مليار دولار من قيمتها السوقية، في واحدة من أسوأ جلسات التداول منذ سنوات. وتعرضت أسهم شركات أمازون وميتا وألفابت (جوجل) ومايكروسوفت وتسلا لضغوط بيعية مكثفة، وسط مخاوف المستثمرين من استمرار النزيف في أسواق المال الأمريكية.

وتزامن ذلك مع هبوط حاد لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 الذي فقد أكثر من 4 تريليونات دولار من قيمته السوقية خلال فبراير الماضي، متراجعًا بنسبة 8.6% عن أعلى مستوياته في ديسمبر 2024.
كما هبط مؤشر ناسداك بنسبة 10% خلال الفترة ذاتها، وهو التراجع الأكبر منذ سبتمبر 2022، فيما سجلت بعض الأسهم خسائر قياسية، حيث انخفض سهم “أمازون” بأكثر من 12%، بينما فقد سهم “ميتا” 14% من قيمته خلال أسبوع واحد فقط.
سياسات ترامب التجارية تضرب التكنولوجيا والصناعة
وتعزو التقارير الاقتصادية هذه الخسائر الضخمة إلى عدة عوامل رئيسية، يأتي في مقدمتها استمرار ترامب في سياساته التجارية الحمائية، والتي أدت إلى:
زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية والأوروبية: مما رفع تكاليف المكونات المستوردة التي تعتمد عليها شركات التكنولوجيا والصناعة.

ارتفاع تكاليف الاقتراض: حيث أدى استمرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة إلى صعوبة حصول الشركات الناشئة على التمويل اللازم لتوسيع أعمالها.
تراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين: إذ أدى القلق من دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود إلى إحجام المستثمرين عن ضخ المزيد من الأموال في أسهم التكنولوجيا، مما زاد من وتيرة البيع في الأسواق.
وتشير البيانات إلى أن شركات مثل “تسلا” و”هارلي ديفيدسون” و”بوينج” تأثرت بشدة بهذه السياسات. فمثلاً، أعلنت “هارلي ديفيدسون” عن نقل جزء من إنتاجها إلى خارج الولايات المتحدة بسبب التعريفات الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على دراجاتها النارية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل غير مسبوق.
الشركات الكبرى تواصل دعم ترامب رغم الخسائر
ورغم هذه الضغوط، لم يسجل أي من كبار المديرين التنفيذيين لشركات التكنولوجيا انتقادات علنية لسياسات ترامب. بل على العكس، أبدى البعض دعمه له في حملته الانتخابية نوفمبر 2024، سواء عبر التبرعات المالية أو المشاركة في فعاليات مؤيدة له.
فقد أعرب جيف بيزوس، مؤسس “أمازون”، عن تفاؤله بسياسات ترامب الاقتصادية، معتبرًا أن تخفيف القيود التنظيمية قد يكون إيجابيًا على المدى الطويل. كما هنأ كل من سوندار بيتشاي (الرئيس التنفيذي لجوجل) ومارك زوكربيرج (الرئيس التنفيذي لميتا) الرئيس الأمريكي بفوزه، مؤكدين استعدادهم للتعاون مع إدارته الجديدة.

هل تتجه الأسواق نحو التعافي أم المزيد من الخسائر؟
يتوقف مستقبل شركات التكنولوجيا وأسواق المال الأمريكية على عدة عوامل رئيسية، أبرزها:
اتجاهات السياسة التجارية لترامب: استمرار التصعيد مع الصين والاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تفاقم الخسائر، بينما قد يخفف توقيع اتفاقيات تجارية جديدة من وطأة الأزمة.
قرارات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة: إذا استمر الفيدرالي في سياسته التشددية، فقد يؤدي ذلك إلى المزيد من التراجعات في أسواق الأسهم.
مرونة الشركات في مواجهة الأزمات: بعض الشركات قد تتمكن من إعادة هيكلة سلاسل التوريد والاعتماد على التصنيع المحلي، مما قد يعوض جزءًا من الخسائر.
استقرار الأوضاع السياسية في أمريكا: حالة عدم اليقين السياسي قد تزيد من تقلبات الأسواق، بينما قد يؤدي الاستقرار إلى استعادة الثقة تدريجيًا.
النتيجة: 2025 قد تكون عامًا مفصليًا
إذا استمرت سياسات ترامب التجارية الحمائية، فمن المتوقع أن تتكبد الأسواق مزيدًا من الخسائر، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والصناعة. أما إذا تم اتخاذ إجراءات لتخفيف هذه السياسات، فقد يكون هناك أمل في التعافي خلال النصف الثاني من العام.
في النهاية، تظل 2.2 تريليون دولار التي فقدتها شركات التكنولوجيا منذ بداية العام رقمًا قياسيًا يعكس حجم التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي في عهد ترامب، وسط تساؤلات حول مدى قدرة الأسواق على الصمود أمام هذه العاصفة المالية العنيفة