طوابير الموت.. المجاعة تجبر أهل غزة على السير عشرات الكيلومترات بحثًا عن الطعام وسط رصاص الاحتلال

في مشهد يلخّص حجم المعاناة الإنسانية المتفاقمة، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إذلال وتجويع الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث تحوّلت مراكز توزيع المساعدات – التي يُروّج لها كذِبًا – إلى ساحات موت وقهر، وكمائن دامية للمدنيين الباحثين عن رغيف خبز يسدّ رمق أطفالهم.
ووفق شهادات ميدانية جمعها مراسلو وكالة “وفا”، يُجبر الفلسطينيون على السير لمسافات تمتد لعشرات الكيلومترات تحت لهيب الشمس، وصولًا إلى تلك “المراكز”، حيث لا تُستقبل الحشود الجائعة بالطعام، بل برصاص القناصة وصواريخ الطائرات، ويعود كثيرون إما شهداء أو جرحى أو خاويي الأيدي.
معركة رغيف الخبز
يقول الفلسطيني سامي جبريل من مدينة غزة: “جئت من قلب المدينة إلى أقصى جنوب القطاع أبحث عن طحين أو بعض البقوليات. إنها رحلة شاقة محفوفة بالموت، وأحيانًا أعود بلا شيء بعد ساعات من المشي والانتظار والذل”.
ويروي أن بعض المراكز – كمركزي العلم والشاكوش غرب رفح – تُفتح بشكل عشوائي دون إعلان، ما يضطر الناس للنوم على الأرصفة بانتظار فرصة قد لا تأتي.
رصاص بدل الطحين
من جانبه، يصف يوسف الكفارنة، النازح من بيت حانون، رحلة الذهاب إلى المراكز بـ”رحلة محفوفة بالموت”، قائلًا: “من يتوجه إلى هناك يعرف أن احتمال نجاته لا يتجاوز 10%، بينما الخطر الدائم يتمثل في الرصاص والقصف والزحام القاتل”.
ويؤكد أن العيش في غزة اليوم بات معركة يومية للبقاء، مشيرًا إلى أن رغيف الخبز الواحد وصل إلى 10 شواكل (3 دولارات)، وأن عائلة من 6 أفراد تحتاج يوميًا لأكثر من 18 دولارًا فقط للخبز، في ظل غياب الدخل والمساعدات وانعدام فرص العمل منذ أكثر من 9 أشهر.
النوم في العراء لأجل لقمة
أما الفلسطيني سفيان سلامة، فيقول: “نمضي الليالي في الطرقات قرب مراكز المساعدات، ننتظر الفتح تحت الشمس، نواجه الخطر ولا نأمن الموت، فقط لأجل الحصول على كيس من الطحين أو القليل من العدس”، مؤكدًا أن الاحتلال يتعمد قصف هذه التجمعات في ذروة ازدحامها.
ويشير إلى أن بعض العائلات باتت تأكل العدس أو الحمص دون طهي، وتشرب الماء لانتفاخه داخل المعدة لشعور زائف بالشبع، بعدما أصبحت هذه المواد أيضًا نادرة وباهظة، حيث بلغ سعر الكيلو 40 شيكلًا (نحو 13 دولارًا).
غزة في قلب المجاعة
ويُحذّر حقوقيون وأطباء من أن قطاع غزة دخل فعليًا في مجاعة مستمرة منذ مارس الماضي، وسط صمت دولي مطبق وعجز المجتمع الدولي عن الضغط على الاحتلال لفتح المعابر والسماح بدخول المساعدات.
ويُذكر أن هذه هي ثاني مجاعة كبرى تشهدها غزة خلال الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، والتي أسفرت حتى الآن عن استشهاد عشرات الفلسطينيين جوعًا، وسط جرائم موثقة يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين العُزّل.