طريق مسدود.. طهران تراهن على التحدي النووي و”الزناد” يشعل التوتر مع الغرب

يبدو المشهد الراهن للملف النووي الإيراني أشبه بنفق مظلم، حيث لا تلوح في الأفق أي إشارات لانفراجة قريبة؛ فالطريق إلى المفاوضات النووية مسدود بإحكام، وتخيم أجواء من التوتر العميق على العلاقات بين طهران من جهة، وواشنطن والغرب من جهة ثانية، لا سيما في ظل التداعيات الناتجة عن تفعيل ما يُعرف بـ “آلية الزناد” والعقوبات المرتبطة بها.
رسائل مجهضة ونوايا مشكوك فيها
في خضم هذا التوتر، كشفت مصادر إيرانية مطلعة، وفقًا لوكالة “رويترز”، عن توجيه عدة رسائل إلى واشنطن عبر وسطاء خلال الأسابيع الماضية بهدف استئناف المحادثات.
إلا أن اللافت والمثير للقلق هو غياب الرد الأمريكي على هذه المبادرات. هذا الصمت، وفقًا للمصدر الإيراني، يعد “مؤشرًا على نوايا غير جيدة” من الجانب الأمريكي، مما يزيد من الشكوك حول رغبة واشنطن الفعلية في العودة إلى طاولة المفاوضات.
إيران تعلن مرحلة التحدي والرهان على الوقت
في خطوة تعكس انتقال طهران إلى مرحلة التحدي الصريح، والرهان على عامل الوقت لإعادة تشكيل واقع جديد يخدم مصالحها القومية، خرج المسؤولون الإيرانيون ليوضحوا أسباب فشل المفاوضات مع الغرب وتصلب موقفهم.
كشف علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، عن جوهر الخلاف الذي عرقل الجهود المبذولة في قضية آلية الزناد.
وأوضح أن الغرب اشترط على إيران خفض مدى صواريخها إلى أقل من 500 كيلومتر.
وشدد لاريجاني على أن هذا المطلب لم يكن يهدف إلا إلى “نزع أهم سلاح دفاعي للشعب الإيراني”، مؤكدًا أن هذه القضية “مرتبطة بالأمن القومي” الإيراني ولا يمكن التنازل عنها.
هذا التصريح يرسخ حقيقة أن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني بات جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الدفاعية لطهران، وخطًا أحمر يصعب تجاوزه في أي مفاوضات مستقبلية.
تضامن استراتيجي وإعلان انتهاء القيود
من جهته، أكد محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) الإيراني، أن البرنامج النووي الإيراني قد “خرج من جدول أعمال مجلس الأمن الدولي”.
ويستند قاليباف في هذا التأكيد إلى حقيقة ترسيخ التضامن الاستراتيجي بين طهران وقوتين عالميتين كبيرتين هما روسيا والصين.
وأشار قاليباف إلى رسالة مشتركة وُجهت من وزراء خارجية إيران والاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن.
هذه الرسالة، التي وصفها بأنها “رمز للتضامن الاستراتيجي”، أعلنت بوضوح أن محاولات الدول الأوروبية الثلاث لتفعيل آلية الزناد “باطلة من أساسها ولا تمتلك أي صلاحية قانونية”.
واستطرد رئيس البرلمان الإيراني مؤكدًا أن جميع القيود والالتزامات الواردة في القرار 2231 قد انتهت وفقًا للفقرة الثامنة منه، واستمر إلغاء جميع القرارات السابقة، ومع الاعتراف الرسمي بـ حق إيران في تخصيب اليورانيوم، خرج الملف النووي من أجندة مجلس الأمن.
وفي تأكيد لهذا النهج، أرسل سفراء وممثلو الدول الثلاث (إيران وروسيا والصين) الدائمون لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسالة مشتركة إلى المدير العام للوكالة، أوضحوا فيها أن مهمة المدير العام للوكالة في تقديم التقارير المتعلقة بالتحقق والرقابة قد انتهت بانقضاء القرار 2231.
شروط إيرانية.. “لا عودة” للمفاوضات
على صعيد العودة المحتملة للمفاوضات، رسمت طهران خطوطًا حمراء واضحة. فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وفقًا لوكالة “تسنيم”، أن بلاده لن تعود إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة ما دامت واشنطن تقدم “مطالب غير معقولة”.
وأوضح عراقجي أن المحادثات التي كانت جارية، بما فيها مفاوضات نيويورك، تم تعليقها ولم تتقدم بسبب “المطالب الأمريكية المبالغ فيها”.
ورغم إقراره بوجود اتصالات أجرتها إيران مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق، ستيف ويتكوف، من خلال وسطاء، فقد أكد أن طهران لن تعود للمفاوضات غير المباشرة إلا بعد “التأكد من نتيجتها مسبقًا”.
وبذلك، يؤكد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أنه “لا موعد محددًا” للجلوس إلى طاولة المفاوضات في الوقت الراهن.
ظل “الموساد” ومخططات الحرس الثوري
في سياق متصل يعكس حجم التوتر الإقليمي والدولي مع إيران، دخلت الأجهزة الاستخباراتية على الخط.
فقد اتهم جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، في إعلان له، الحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء محاولات هجمات على أهداف يهودية وإسرائيلية في دول عدة خلال عامي 2024 و2025.
وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالاسم ضابطًا في الحرس الثوري يُدعى سردار عمار، مشيرًا إلى أنه يعمل تحت إمرة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، وأنه أشرف على “شبكة عمليات سرية، حاولت تنفيذ هجمات في أستراليا واليونان وألمانيا”.
وأشار البيان إلى أن هذه الشبكة اعتمدت أسلوب “الإرهاب بلا بصمات إيرانية”، عبر تجنيد أجانب واستخدام مجرمين واتصالات مشفرة.
وأكد الموساد أن جهودًا استخباراتية مشتركة مع شركاء دوليين أدت إلى إحباط عشرات المخططات واعتقال عدد من المتورطين، مما يشير إلى أن المواجهة بين طهران وخصومها لا تقتصر على الملف النووي فحسب، بل تمتد إلى حرب ظل استخباراتية إقليمية ودولية.



