تقارير وتحليلات

صفوت عمران يكتب: مصر والسعودية وترامب!!

قرارات الدول شأن داخلي ينبع من مصالحها، أوضاعها السياسية، ورؤية قادتها للحاضر والمستقبل. لذا تبقى زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية شأنًا خاصًّا بالمملكة، فهي وحدها من تحدد طريقة التعاون، وحجم الاستثمارات المشتركة، والأهداف السياسية المرجوّة، والمصالح المتبادلة.

وينطبق الأمر ذاته على الدول الخليجية الأخرى، ولا يجب أن نحولها إلى معركة عربية حول من أكثر نفوذًا، ومن أكثر تبعية، فالأمور لا تُحسب هكذا.

قلنا من قبل، عندما أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، عن 600 مليار دولار استثمارات مع أمريكا، ردًّا على طلب ترامب من المملكة استثمار 500 مليار دولار، إن محمد بن سلمان رجل ذكي، وذكي جدًّا، لأنه باختصار دفع هذا المبلغ مقابل استقرار بلاده، وضمان أمنها، وتعزيز التعاون مع أكبر دولة في العالم بنظرية “الأرباح للجميع”.

ويكفي أن تعرف أن العراق، التي لم تعد حتى الآن إلى ما كانت عليه سنة 1989، تحتاج إلى نحو 1200 مليار دولار لإعادة إعمارها، وسوريا الممزقة، التي تحتاج لعقود حتى تعود إلى ما كانت عليه في 2010، تحتاج إلى 2000 مليار دولار لإعادة الإعمار.

وبالطبع، الجميع يعلم ما تعرضت له العراق وسوريا من دمار، وحروب، وقتل، وتشريد لملايين من السكان. والأمر ينطبق على كثير من بلدان الشرق الأوسط.

ربحت السعودية حماية، ومصالح، واستقرارًا، ولمدة أربع سنوات ستظل بعيدة عن مخططات تمزيق المنطقة، وحصل الأمير محمد بن سلمان على دعم ومساندة من أمريكا لموقعه السياسي على رأس السلطة في المملكة. رئيس أكبر دولة في العالم يصفه بـ«الصديق، الحكيم للغاية، حكيم سابق سنه»، قائلاً: «أود أن أشكر صاحب السمو الملكي ولي العهد.. إنه رجل رائع.. أعرفه منذ زمن طويل.. لا أحد مثله.. شكرًا جزيلًا، شكرًا جزيلًا لك يا صديقي».

وتابع: «لدينا شركاء عظماء في العالم، لكن ليس لدينا من هو أقوى، ولا أحد يُضاهي الرجل الذي أمامي، إنه أعظم ممثل لكم، ولو لم أكن أحبه، لخرجتُ من هنا بسرعة. إنه يعرفني جيدًا. أنا أحبه، أحبه كثيرًا، أحبه كثيرًا»… في أكبر رسالة دعم معنوي – من رئيس أمريكا – لقائد دولة أمام شعبه. صحيح لا يوجد شيء مجانًا في هذه الحياة، لكنها صفقة رابحة للطرفين.

نعم، كلمات الإطراء من ترامب للأمير محمد بن سلمان مناسبة تمامًا، ولا تساوي شيئًا مقابل 600 مليار دولار حصل عليها ترامب في زيارة واحدة.

طبعًا، إعلان ترامب إسقاط العقوبات الاقتصادية عن سوريا من الرياض يُعد انتصارًا سياسيًّا يصب في مصلحة المملكة، أحد رعاة أحمد الشرع «أبو محمد الجولاني سابقًا»، ويزيد من نفوذ المملكة في الشام، وهو أمر إيجابي سيمتد أثره لسنوات طويلة.

لكن ترامب لن يقدم شيئًا مجانًا، فالمقابل هو غاز سوريا، وتطبيع سوريا مع الكيان، وقبول سوريا بخط الغاز من الخليج نحو أوروبا، والذي سبق أن رفضه بشار الأسد، وكان في مقدمة أسباب ما حدث في سوريا منذ 2011.

الغريب واللافت أن كثيرًا من المصريين استخدموا تلك الزيارة للطعن في مصر والتقليل من شأنها، وإظهار «قد إيه المملكة بتتحرك لحجز مكانة وإحنا لا!!». واللافت أن الأمر تحوّل إلى جلد للذات، مع أن تحرّك أي دولة لتحقيق مصالحها أمر طبيعي، وليس بالضرورة أن تكون لديك نفس المصالح. وما تفعله السعودية لا يُقلل من مصر، ولا يمسّها من قريب أو بعيد. فكل دولة يحق لها التحرك وفق مصالحها، ومصالحها فقط.

حديث البعض عن وجود صراع على من يقود العالم العربي… يا عزيزي، لا توجد قيادة عربية موحدة منذ حرب 1948 التي انتهت بالنكبة، ومن بعدها كل دولة عربية تتحرك وفقًا لمصالحها. لا يوجد عالم عربي موحد، حتى يكون هناك تنازع على قيادته.

هل نخدع أنفسنا؟! أغلب الدول العربية تناصب بعضها العداء، وإذا اقتربت من دولة، خسرت الأخرى. الكلمات الإنشائية لن تُفيد، والحملات الدعائية تصنع انتشارًا، لكنها لا تصنع دولًا عظمى، ولا تصنع دولًا قوية.

حسابات مصر ليست بالضرورة حسابات السعودية، ومصالح القاهرة ليست بالضرورة متطابقة مع مصالح الرياض. ومصر ليست في منافسة مع السعودية على من يقود المنطقة. علاقات مصر بالمملكة قوية، وهناك تقدير متبادل ومصالح مشتركة. وأي خطوة إيجابية تقوم بها المملكة نسعد بها. أما مصر، فهي دولة كبرى لها مكانتها وقيمتها وأدواتها المتنوعة، التي جعلتها تصمد بمفردها – على مدار ما يزيد عن عام ونصف – أمام مخطط الشرق الأوسط المسموم.

وإذا كان التقليل من دور وتأثير مصر مرفوضًا، وتجاوزًا ينافي الحقيقة، فإن التجاوز في حق المملكة العربية السعودية، والحديث عن تلك الأموال كأنها “جزية” أو مقابل حماية، أمر مرفوض أيضًا. فكل دولة تتحرك وفق مصالحها، وعلينا أن نتجاوز فكرة الصراع إلى التكامل، وأن نحب الخير لبعضنا البعض.

يا عزيزي، أنت تعلم أن حجم الدين الخارجي المصري، الذي لا يتجاوز 200 مليار دولار، والذي يراه الكثيرون سبب أزمتنا الاقتصادية، يساوي ثلث ما حصل عليه ترامب من السعودية في زيارة واحدة (600 مليار دولار)، ويساوي 20% مما حصل عليه ترامب من الإمارات في زيارة واحدة (1000 مليار دولار)، ويساوي 15% مما حصل عليه ترامب من قطر (1200 مليار دولار).

قد يقول لك البعض: «هل عرفت الآن؟ بعض دول الخليج لم تكن جادة في مساعدتنا للخروج من أزمتنا الاقتصادية؟!».

يا عزيزي، إن الأموال تظهر وفقًا للمصالح، وليس لاعتبارات الإخوة والصداقة، لذا يجب أن يكون حكمنا على الأمور من تلك الزاوية!

يا عزيزي، السعودية أو غيرها من دول الخليج من حقها أن تعقد التحالفات والاتفاقات التي تحقق نهضة وتقدم ورفاهية شعبها، دون أن ينقص منك شيء. فقط تمنَّ للأشقاء كل خير.

يا عزيزي، لا تُحوّل كل خطوة إيجابية تحققها دولة شقيقة إلى أداة صراع بين الدول العربية. من حق الجميع أن يسعى إلى مصالحه، ومن حقنا ألا تُحشر مصر في ركن لا يناسبها ولا تسعى له.

أخيرًا… لو شاهدت تحركات مصر خلال عامين، وزيارة رئيس مصر إلى موسكو، ووجوده إلى جانب رؤساء روسيا والصين، ورفض رئيس مصر زيارة واشنطن، وراجعت موقف القاهرة من حرب غزة، وحسبت زيارة ترامب لدول الخليج وأهدافها، ستعرف أن هناك أشياء أخرى كثيرة أعمق من المكايدة السياسية بين بلدين شقيقين، يوجد بينهما تفاهمات كثيرة، وكثيرة جدًّا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى