سوهاج تبوح بأسرارها الأثرية.. اكتشاف مقبرة ملكية وورشة فخار تعود للعصر الروماني

في إنجاز أثري جديد، كشفت البعثات الأثرية العاملة في محافظة سوهاج عن مقبرة ملكية تعود لعصر الانتقال الثاني بجبانة “جبل أنوبيس” في أبيدوس، إلى جانب ورشة كاملة لصناعة الفخار تعود للعصر الروماني بقرية بناويط، مما يضيف بُعدًا جديدًا لفهم الحضارة المصرية القديمة.

الكشف الأثري ودوره في الترويج السياحي
أكد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، أن هذه الاكتشافات تعزز التنوع السياحي في مصر، وتسهم في إثراء الأبحاث العلمية حول الحضارة المصرية، فضلًا عن إبراز الدور الريادي للمجلس الأعلى للآثار في دعم البحث العلمي والاكتشافات الأثرية. كما أشار إلى حرص الوزارة على دعم البعثات الأثرية الأجنبية والمصرية للكشف عن المزيد من أسرار الماضي.

مقبرة ملكية بأبيدوس.. أدلة جديدة على عصر الانتقال الثاني
من جانبه، أوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن الكشف عن المقبرة الملكية يقدم أدلة علمية جديدة حول تطور المقابر الملكية في جبانة “جبل أنوبيس”، موضحًا أنها تعود إلى “أسرة أبيدوس” التي حكمت صعيد مصر بين 1700-1600 ق.م.، وتضيف معلومات مهمة عن الملوك المجهولين خلال تلك الحقبة الزمنية.

أما الأستاذ محمد عبد البديع، رئيس قطاع الآثار المصرية، فأشار إلى أن الدراسات الأولية ترجح انتماء المقبرة لأحد الملوك السابقين للملك “سنب كاي”، الذي اكتُشفت مقبرته في أبيدوس عام 2014. ولفت إلى أن المقبرة الجديدة أكبر حجمًا مقارنة بالمقابر الملكية الأخرى المنسوبة لـ”أسرة أبيدوس”، غير أن اسم صاحبها لا يزال غير معروف.

تفاصيل المقبرة الملكية
أما الدكتور جوزيف وجنر، رئيس البعثة المصرية الأمريكية العاملة في أبيدوس، فكشف أن المقبرة عُثر عليها على عمق 7 أمتار تحت الأرض، وتضم غرفة دفن حجرية مغطاة بأقبية من الطوب اللبن بارتفاع 5 أمتار. كما تحتوي على بقايا نقوش للمعبودتين إيزيس ونفتيس على جانبي المدخل المؤدي لغرفة الدفن، مع أشرطة كتابية صفراء تحمل اسم الملك بالهيروغليفية، وهو نفس الطراز الزخرفي المستخدم في مقبرة الملك “سنب كاي”.

وأكد وجنر أن البعثة ستواصل أعمال البحث والدراسة خلال الفترة المقبلة لتحديد تاريخ المقبرة بدقة.

ورشة فخار ضخمة تعود للعصر الروماني
وفي كشف آخر، تمكنت البعثة الأثرية المصرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار من اكتشاف ورشة كاملة لصناعة الفخار في قرية بناويط، والتي تعود للعصر الروماني، وتشير الأدلة إلى أنها كانت واحدة من أكبر مصانع الفخار والزجاج التي تمد الإقليم التاسع بالمستلزمات الفخارية.

وتضم الورشة مجموعة كبيرة من الأفران، ومخازن واسعة لتخزين الأواني، إلى جانب العثور على 32 أوستراكا (قطع فخارية) مكتوبة بالخط الديموطيقي واللغة اليونانية، توضح طبيعة المعاملات التجارية والضرائب خلال تلك الفترة.

دلائل على استخدام الورشة كموقع للدفن في العصر البيزنطي
أوضح الأستاذ محمد عبد البديع أن الموقع لم يقتصر على كونه ورشة فخار، بل أعيد استخدامه كجبانة في العصر البيزنطي من القرن السابع حتى الرابع عشر الميلادي. وتم العثور على هياكل عظمية ومومياوات تعود لعائلات كاملة، ومن أبرز الاكتشافات مومياء لطفل في وضع النوم يرتدي طاقية من النسيج الملون، بالإضافة إلى جمجمة لسيدة في العقد الثالث من عمرها.

كما كشف التنقيب عن بقايا نباتات قديمة مثل نخيل الدوم والشعير، مما يلقي الضوء على البيئة الزراعية في ذلك الوقت.

جبانة جبل أنوبيس.. شاهد على التاريخ الملكي
تعتبر جبانة جبل أنوبيس واحدة من أهم الجبانات الملكية في أبيدوس، حيث اختارها الملك سنوسرت الثالث (1874-1855 ق.م.) لإنشاء مقبرته الضخمة، والتي تعد الأولى من نوعها في الحضارة المصرية، كما ضمت مقابر ملوك الأسرة الثالثة عشرة، وملوك أسرة أبيدوس، ومن أشهرها مقبرة الملك سنب كاي، التي تعد أقدم مقبرة ملكية مزينة في مصر القديمة.

اكتشافات تعيد رسم خريطة الحضارة المصرية
تشكل هذه الاكتشافات إضافة علمية وسياحية كبيرة، حيث تسهم في إثراء المعرفة بتاريخ مصر القديمة، وتعزز مكانة محافظة سوهاج كواحدة من أهم الوجهات الأثرية في البلاد، مما يفتح الباب أمام المزيد من البحوث والاكتشافات المستقبلية.