رغم وقف إطلاق النار في غزة.. كندا تهدد اعتقال نتنياهو تنفيذاً لمذكرة المحكمة الجنائية الدولية

في تطور دبلوماسي غير مسبوق، دخلت العلاقات بين كندا وإسرائيل منعطفاً حاداً بعد أن أعلن رئيس وزراء كندا مارك كارني استعداده لتنفيذ مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حال وصوله إلى الأراضي الكندية.
وجاءت تصريحات كارني خلال مقابلة مع وكالة بلومبرج الأمريكية، لتفجر عاصفة سياسية على جانبي الأطلسي.
وأكد كارني أن بلاده ملتزمة بتنفيذ التزاماتها القانونية الدولية، بما في ذلك أوامر التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية، قائلاً: “سنلتزم بما يقتضيه القانون الدولي، تماماً كما كنا سنفعل مع أي دولة أخرى، ولن تكون إسرائيل استثناءً”.
وأوضح أن هذا الموقف يأتي استمراراً لسياسات سلفه جاستن ترودو، وعدم التراجع عن النهج الذي اتبعته كندا في ملف القانون الدولي.
وكانت المحكمة الجنائية قد أصدرت العام الماضي مذكرة توقيف بحق نتنياهو، متهمة إياه بارتكاب جرائم حرب في غزة، من بينها استخدام المجاعة كسلاح حرب، وهي تهمة وُصفت بأنها سابقة قانونية خطيرة. وفي الوقت الذي أكدت فيه أوتاوا أنها لن تتراجع عن التزاماتها، سارعت تل أبيب إلى وصف الموقف الكندي بالخيانة.
وقال أوفير فالك، مستشار السياسة الخارجية لنتنياهو، لصحيفة جلوب أند ميل الكندية إن “ما أعلنه كارني خيانة واضحة لحليف استراتيجي تقليدي. كنا نأمل أن يراجع موقفه، لكن ما قاله صادم ويكشف عن انحياز خطير”.
وأضاف أن إسرائيل تنظر إلى هذه الخطوة على أنها تجاوز غير مقبول للعلاقات التاريخية بين البلدين.
كما وصف مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قرار المحكمة الجنائية الدولية بأنه “تجاوز سخيف من محكمة مسيّسة”، واعتبر أن “ما تفعله كندا يصب في مصلحة الإرهاب”.
أما كارني، فقد ربط موقف بلاده الأخير من نتنياهو بالسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، قائلاً إن “ما رأيناه هو أن حكومة نتنياهو تعمل صراحةً على القضاء على أي احتمال لقيام دولة فلسطينية، في انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة، وتناقض مع الموقف الكندي التاريخي منذ عام 1947”.
وأشار إلى أن قرار كندا الشهر الماضي بالاعتراف بدولة فلسطين لم يكن معزولاً، بل جاء كرد مباشر على سلوك القيادة الإسرائيلية الحالية. وأضاف: “لم يكن هذا اعترافاً رمزياً فقط، بل خطوة سياسية مقصودة للتعبير عن رفضنا لما يحدث في غزة، من إبادة جماعية وتجويع وتدمير منهجي”.
وبهذا الموقف، وضعت كندا نفسها في مواجهة سياسية مفتوحة مع إسرائيل، كما اصطدمت بموقف حليفها التقليدي الولايات المتحدة. ورغم ذلك، فقد انضمت أوتاوا إلى فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة وعدة دول أخرى داخل الأمم المتحدة في الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.
من جانبه، صرح مايكل بيوكيرت، القائم بأعمال رئيس منظمة الكنديين من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط، بأن “ما فعلته كندا أقل ما يمكن أن تفعله دولة تحترم نفسها والقانون الدولي. كان لا بد من إرسال رسالة واضحة إلى إسرائيل بأن الحصانة المطلقة قد انتهت”.
التحليلات الأولية في الأوساط السياسية تشير إلى أن هذه الأزمة قد تشكل بداية مرحلة جديدة من الضغط الدولي على إسرائيل، إذ لم يسبق أن هددت دولة حليفة باعتقال رئيس وزراء إسرائيلي أثناء توليه منصبه. ويرى خبراء أن هذا التوتر قد يلقي بظلاله على العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين، وربما على علاقات أوتاوا مع واشنطن نفسها.
في المقابل، يراهن بعض المراقبين على أن الأزمة قد تدفع إسرائيل إلى خطوات تصعيدية أو محاولات لعزل كندا سياسياً في المحافل الدولية. كما أن الموقف الكندي قد يشجع دولاً أخرى على اتخاذ مواقف مشابهة، ما يزيد من الضغوط القانونية والسياسية على الحكومة الإسرائيلية.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستظل هذه التهديدات الكندية في إطار التصريحات السياسية، أم أننا أمام مواجهة قانونية ودبلوماسية غير مسبوقة قد تضع نتنياهو فعلياً أمام العدالة الدولية؟