سياحة و سفر

دير السبع بنات في وادي فيران.. 16 قرنًا من الروحانية والتاريخ وسط جبال سيناء

 

في قلب صحراء سيناء وعلى سفوح جبل “سربال” الشاهق، يقف دير السبع بنات الأثري شاهدًا على قرون من الزهد والعزلة والروحانية، ومجسدًا لتاريخ طويل من العمارة المسيحية في أرض الفيروز. الدير، المعروف أيضًا بدير وادي فيران أو دير وادي فاران، لا يزال حتى اليوم قبلةً لعشاق الحياة الرهبانية والباحثين عن سكون الصحراء وسحر التاريخ.

يقع الدير على بُعد 60 كيلومترًا شمال غرب دير سانت كاترين، ويُعد من أقدم المواقع المسيحية في المنطقة، إذ نشأت فيه أولى التجمعات الرهبانية منذ القرن الرابع الميلادي. وقد اكتسب تسميته بـ”دير السبع بنات” نسبة إلى حادثة تاريخية مؤثرة، حيث ألقت سبع راهبات بأنفسهن من أعالي الجدران حين تعرض الدير لهجوم من البربر، رفضًا للوقوع في الأسر، ليُخلّد التاريخ تضحياتهن باسم المكان.

مدينة بيزنطية كاملة تحت سفح الجبل
وبحسب المطران نيقولا، مطران طنطا ووكيل بطريركية الإسكندرية للروم الأرثوذكس للشؤون العربية، فإن وادي فيران لا يحتضن فقط هذا الدير، بل يضم آثار مدينة بيزنطية متكاملة في منطقة “تل محرض”، على مساحة تبلغ نحو 400 متر طولًا و200 متر عرضًا، مُحاطة بسور أثري. وتعود هذه المدينة إلى الفترة الممتدة بين القرنين الرابع والسادس الميلادي، وتحتوي على أربع كنائس ومقر أسقفي، إضافة إلى بيوت ومقابر.

يقابل تل محرض جبل الطاحونة، الذي يصل ارتفاعه إلى 886 مترًا فوق مستوى سطح البحر، ويضم بدوره بقايا قلايات رهبانية وكنائس قديمة، ما يعكس الازدهار الروحي والمعماري الذي شهده الوادي في العصور المسيحية المبكرة.

اكتشاف أثري ألماني يعيد للدير مجده
أعاد اكتشاف الدير القديم إلى الواجهة بعثة المعهد الألماني للآثار بالقاهرة عام 1990، بقيادة الدكتور بيتر جروسمان، حيث كشفت التنقيبات تحت إشراف آثار جنوب سيناء عن بقايا الجدران الأصلية للدير، المُقام على قمة جبل يُعرف حاليًا بـ”جبل البنات”، والذي يبعد نحو 2 كيلومتر شرق تل محرض. وتشير الدراسات إلى أن موقع الدير، الذي يعود للقرنين الخامس والسادس الميلاديين، ربما استخدم لاحقًا كنقطة مراقبة عسكرية بيزنطية لحماية مدخل الوادي الجنوبي.

مركز كنسي تاريخي قبل دير سانت كاترين
قبل تأسيس دير طور سيناء (القديسة كاترين حاليًا) في القرن السادس الميلادي، كانت إيبارشية فيران هي المركز الروحي الأهم في جنوب سيناء. ويُعتقد أن أول أسقف لها كان موسى، الذي بشر أهل المنطقة بالمسيحية، فيما كان آخرهم المطران ثيودورس عام 649م. وتشير الوثائق التاريخية إلى مشاركة أساقفة فيران في مجامع كنسية مثل مجمع القسطنطينية عام 536م.

دير جديد يتجاور مع الأطلال
بجوار الدير الأثري، يقع اليوم دير البنات الحديث التابع لدير سانت كاترين، وقد بدأ إنشاؤه عام 1970 بكنيسة حملت اسم “النبى موسى”، تحولت لاحقًا إلى دير كامل عام 1979. تحيط بالدير حديقة تضم أشجار السرو الباسقة، وتطل على الأطلال الأثرية لمقر أسقفية فيران، بالإضافة إلى مدينة مسيحية شبه متكاملة تم اكتشافها في تل محرض.

ويُعد وادي فيران اليوم من أبرز المعالم السياحية والأثرية والدينية في جنوب سيناء، حيث شهد عبر تاريخه استقرار عدد من الرهبان الهاربين من الاضطهاد الروماني في القرن الرابع الميلادي، منهم الراهب كوزماس عام 535م، والراهب أنطونيوس عام 565م، ممن تركوا خلفهم آثارًا لا تزال صامدة على جدران الوادي حتى الآن.

دير السبع بنات ليس مجرد موقع أثري، بل هو شهادة حيّة على مسيرة الإيمان والعمارة والرهبنة، ومَعلم روحي وسياحي يُعيد رسم خريطة التاريخ المسيحي في صحراء سيناء الخالدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى