خطة السلام الأمريكية تثير غضب كييف وقلق أوروبا: تنازلات لروسيا وتهديد لمستقبل أوكرانيا

استعرضت شبكة (فرنس إنفو) الإذاعية الفرنسية، فى تحليل لها، الشكوك التى تثيرها خطة وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا فى نفوس الأوروبيين والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، مشيرة إلى أن هذه الخطة ـ المكونة من 28 نقطة ـ والتى قدمتها الولايات المتحدة تأخذ بعين الاعتبار العديد من مطالب روسيا، مثل التنازل عن أراضٍ أوكرانية وعدم الانضمام إلى حلف الناتو.
تصريحات زيلينسكي والمخاوف الأوروبية
وفى بداية تحليلها، نقلت الشبكة الإذاعية الفرنسية مقتطفات من خطاب زيلينسكي الأخير يوم الجمعة الماضي والذي قال فيه: نمر بواحدة من أصعب اللحظات في تاريخنا، حيث كان يتحدث عن الخطة الأمريكية التى أعلنت فى اليوم السابق للخطاب.
وأضاف زيلينسكي أن المقترحات الأمريكية تنذر بحياة بلا حرية، بلا كرامة، بلا عدالة، ويشارك الأوروبيون، المخاوف الأوكرانية، بعد اجتماع طارئ، دعت باريس وبرلين ولندن يوم الجمعة إلى حل للصراع في أوكرانيا يشمل كييف ودول القارة العجوز بشكل كامل.
استبعاد الأوكرانيين والأوروبيين من المناقشات
وأرجعت الإذاعة الفرنسية قلق زيلينسكي والأوروبيين إلى عدة نقاط أولها : عدم مشاركة الأوروبيين والأوكرانيين في المناقشات حيث وضعت خطة السلام مباشرة بين دبلوماسيين روس وأمريكيين، دون إشراك الأوروبيين والأوكرانيين، وهذه ليست المرة الأولى التي يستبعد فيها الرئيس دونالد ترامب، الأوروبيين من المناقشات مع موسكو..ففي منتصف أغسطس، التقى الرئيس الأمريكي على انفراد مع فلاديمير بوتين في ألاسكا، ثم اعتقد القادة الأوروبيون أن واشنطن قد عدلت مواقفها بعد بضعة أسابيع خلال اجتماع في البيت الأبيض، وفي أكتوبر، أدى الإعلان عن اجتماع بين الرئيسين الروسي والأمريكي، وما تلاه من تأجيل، إلى فرض عقوبات مشتركة جديدة على موسكو، وهكذا، تبدو الخطة التي كشف عنها يوم الخميس بمثابة تغيير جذري آخر في موقف إدارة ترامب التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.
وفي مواجهة التردد الأمريكي، يبقى الموقف الذي تدافع عنه دول الاتحاد الأوروبي وحلفاؤها واضحا، لكي تنجح الخطة، يجب إشراك الأوكرانيين والأوروبيين، كما لخصت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس يوم الخميس، أصبح الأوروبيون الداعمين الماليين والعسكريين الرئيسيين لأوكرانيا منذ بداية الحرب، متجاوزين بذلك المساعدات الأمريكية، وفقا لأرقام معهد كيل.
ولكن خارج الجبهة الأوكرانية، تخوض روسيا بقيادة فلاديمير بوتين حربا هجينة تختبر الدفاعات الغربية لذلك، ليس من المستغرب أن يصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرز، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الجمعة، بأن أي قرار بشأن أوكرانيا يتطلب “إجماعا” بين الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي وفقا لبيان صادر عن قصر الإليزيه فيما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الجمعة، بعد اتصال هاتفي مع فولوديمير زيلينسكي: “لا ينبغي اتخاذ أي قرار بشأن أوكرانيا بدون أوكرانيا”.
التنازلات الإقليمية المثيرة للقلق
وكانت النقطة الثانية المثيرة للقلق ـ التى أوردتها شبكة فرنس إنفو الإذاعية الإخبارية الفرنسية هو تضمن الخطة لتنازلات إقليمية كبيرة .. فوفقا لمسودة النص، سيتم بالفعل تأكيد سيادة أوكرانيا، ومع ذلك، تتضمن الخطة الأمريكية تنازلات إقليمية كبيرة جدا لروسيا، قريبة مما طالب به الكرملين منذ فترة طويلة … إذ ينص مشروع القرار على الاعتراف بشبه جزيرة القرم، التي ضمت عام 2014، ومنطقتي لوجانسك ودونيتسك في شرق أوكرانيا كأراض روسية، كما ستعترف واشنطن بها كذلك، أما منطقتا خيرسون وزابوريزهيا (الأوبلاستات)، جنوبا، فسيتم تقسيمهما على جانبي خط المواجهة.
وكان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى عام 2022 قد أعلن ضم مناطق دونيتسك ولوجانسك وخيرسون وزابوريزهيا، عقب استفتاءات لم تعترف بها أوكرانيا والمجتمع الدولي.
وفي عام 2024، أقر فولوديمير زيلينسكي باحتمال فقدان السيطرة مؤقتا على الأراضي التي تحتلها روسيا، لكنه دعا إلى استعادتها عبر القنوات الدبلوماسية، أما بالنسبة لشبه جزيرة القرم، فقد أكد الرئيس الأوكراني في الربيع أنها أرض الشعب الأوكراني، وفقا لصحيفة كييف إندبندنت.
وقد سارع الأوروبيون إلى الرد على هذه المقترحات الجديدة للتنازلات، وجادلوا بأن الجبهة الحالية يجب أن تكون نقطة انطلاق للتوصل إلى اتفاق، كما أصر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو يوم الخميس على أن السلام لا يعني الاستسلام.
تقليص القوات المسلحة الأوكرانية
وكان تقليص القوات المسلحة الأوكرانية هو النقطة الثالثة التى رأت فرنس إنفو، إنها تثير قلق الأوروبيين وزيلينسكى فأشارت إلى أن الخطة تنص على أن القوات المسلحة الأوكرانية ستقتصر، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، على 600 ألف جندي، وهذا يعني ضمنا تقليصا كبيرا في عدد الأفراد، في يناير، بلغ عدد الجنود الذين تمت تعبئتهم في البلاد حوالي 880 ألف جندي، وفقا لفولوديمير زيلينسكي، وأشار مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية (CFR) مؤخرا إلى وجود عدة تقديرات حول هذا الموضوع … ووفقا للمركز، بلغ عدد القوات النشطة في كييف 730 ألف جندي في فبراير، مقارنة بـ 1,134,000 جندي لروسيا.
وردا على الخطة، أصر الأوروبيون على أن القوات المسلحة الأوكرانية يجب أن تكون قادرة على الدفاع بفعالية عن سيادة أوكرانيا”، وفقا لبيان صادر عن المستشارية الألمانية فيما علق وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي قائلا: “آمل ألا تكون الضحية هي من تفرض عليها قيود تقيد قدرتها على الدفاع عن نفسها، بل المعتدي، الذي ينبغي الحد من قدراته العدوانية” على حد قوله.
في مطلع سبتمبر، شدد الرئيس إيمانويل ماكرون على أهمية توفير “وسائل إعادة تأهيل الجيش الأوكراني”، بهدف “ردع روسيا عن المزيد من العدوان” بعد وقف إطلاق النار.
الضمانات الأمنية محل القلق
والضمانات الأمنية هي النقطة الرابعة التى أثارت قلق الأوروبيين وزيلينسكي، وذكرت (فرنس إنفو) أن النقطة الخامسة من خطة السلام لا يمكن اختصارها فهى تنص على أن “أوكرانيا ستحصل على ضمانات أمنية موثوقة”.. هذا لا يطمئن الأوكرانيين أو الأوروبيين، الذين يخشون من أن تشعل روسيا حربا أخرى رغم التزاماتها، كما فعلت عام 2014 ثم عام 2022، بحسب شبكة فرنس إنفو.
وأكد جان نويل بارو: نريد سلاما دائما محاطا بالضمانات اللازمة لمنع أي عدوان إضافي.
وأضافت شبكة فرنس إنفو، أنه مع ذلك، قدمت نحو عشرين دولة أوروبية، مسودة لقوة ردع أوروبية في أوائل سبتمبر، وفي الإجمالى تعهدت 26 دولة بنشر قوات في أوكرانيا، برا وبحرا وجوا، كقوة طمأنة، في اليوم التالي لوقف إطلاق النار”، كما أوضح إيمانويل ماكرون آنذاك، أما الولايات المتحدة، فلا تفكر في إرسال قوات برية وتحافظ على الغموض، مع ذلك، تعتبر مشاركتها في الضمانات الأمنية أمرا أساسيا بالنسبة لأوكرانيا، كما هو الحال بالنسبة لمعظم العواصم الأوروبية.
وشكل عدم مطالبة الخطة بعضوية أوكرانيا في حلف الناتو، النقطة الخامسة التي أقلق زيلنسكي والأوروبيين، وفي هذا الصدد، قالت (فرنس إنفو) إنه ليس من المستغرب أن تلزم الخطة أوكرانيا بالموافقة على ترسيخ عدم عضويتها في دستورها، ويجب على الحلف الأطلسي أن يضمن في نظامه الأساسي شرط عدم انضمام أوكرانيا إليه مستقبلا، كما تضمنت مطالب أخرى: “عدم توسع الناتو أكثر” والالتزام “بعدم نشر قوات في أوكرانيا”، وفي المقابل، ستحصل كييف على ضمانات أمنية موثوقة، كما يؤكد النص.
عدم عضوية أوكرانيا في حلف الناتو
وقالت الشبكة الفرنسية إن عدم عضوية أوكرانيا في حلف الناتو يعد مطلبا واضحا ومتكررا من الكرملين، على عكس رغبات كل من أوكرانيا والحلف الأطلسي، قبل عامين، في فيلنيوس، ليتوانيا، ناقش قادة الدول الأعضاء مستقبل البلاد داخل الحلف، ولكن دون تحديد جدول زمني، يؤكد الناتو الآن أن “مستقبل أوكرانيا يكمن في الناتو”، مشددا على أن “الحلفاء ما زالوا ملتزمين التزاما راسخا بزيادة الدعم السياسي والعملي الذي يقدمونه لأوكرانيا.
التخلي عن الأصول الروسية المجمدة
أما النقطة السادسة التى رأت الشبكة الفرنسية أنها تثير قلق الأوروبيين وزيلينسكي هو أن الخطة تجبر الأوروبيين على التخلي عن الأصول الروسية المجمدة، مشيرة إلى أن مسألة الأصول الروسية المجمدة، الراكدة في الخزائن الأوروبية منذ بداية الحرب، تشكل محور نقاشات حادة داخل الاتحاد الأوروبي، جمدت الدول الأعضاء الـ 27 مبلغا إجماليا قدره 210 مليارات يورو، ولكن لم تصادر، كإجراء انتقامي، وبينما يمكن بالفعل استخدام عائدات هذه الأصول المالية لدعم كييف، تريد المفوضية الأوروبية حشد هذه الأموال لضمان قرض بقيمة 140 مليار يورو للبلد المحاصر، على أن يسدد في نهاية الحرب.. لم تنتهِ المناقشات بعد، مما يشكل خطرا كبيرا على أوكرانيا، التي قد تواجه أزمة سيولة في الأشهر المقبلة، تتخذ الخطة الأمريكية نهجًا مختلفا تماما، متجاوزة السيادة الأوروبية في هذه القضية إذ تقترح الخطة استثمار 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة في مشاريع تقودها الولايات المتحدة لإعادة إعمار أوكرانيا، على أن تحصل واشنطن على 50% من أرباح هذه المبادرة، كما تقترح الخطة الإفراج عن الأموال الروسية غير المستخدمة المودعة في أوروبا، وأن يسهم الأوروبيون بمبلغ إضافي قدره 100 مليار يورو لإعادة الإعمار.



