فنون وثقافة

خالتي مريم “الغزَّاوية”

للخبز الذي كانت تصنعه خالتي مريم من طحين الذُّرة والقمح رائحةٌ تستطعم حلاوتَها حتى من قبل أن تدخل اللقمة فمَك

 

خالتي “مريم ” أتت من “غـزَّة” حين كانت تتبع بلادنا وتسمى بالقِطاع واستأجرَتْ إحدى الغرف في البيت الذي تملكُه جدتي ..كانت بارعةً في صنع المخبوزات حتى أن العمالَ العائدين من المصانع والورش آخر النهار كانوا يتعمَّدون المرور أمام بيتها ليشمَّوا رائحة فطائرها فتنفتح شهيتهم للطعام بمنازلهم أيَّاً كان نوعه ..

كانت تقوم أيضاً بتفصيل ملابسها المزخرفة بنقوش أشجارِ النخيل والزيتون وتصنع الطواقيَ للأطفال عليها نقوشٌ بخيوط ملوَّنة لسنابل القمح وبيادر البرتقال ،كذلك كانت ترسم الوشمَ الأزرق المبهج على سيقان الصبايا في أفراحهنَّ ..فكأنها حُجُولٌ سحرية تحيطُ بالسيقان البيضاء الشابة من أسفل ..فتبدو فتنةً لمن رأى .

أما صوتها ساعة المغارب فكان شجيَّاً يفيضُ بالأسى وهي تردد موَّالها الحزين ..

“يامّة مويل الهوى ..

يامّة مويليَّا ..

طعن الخناجر

ولا حُكم النّذِل فيّا .. ” 

في وقعٍ حزين ربما كان يذكرها بالوطن البعيد .. 

حين ماتت وجدوا غرفتها نظيفةً مُرتبةً وكأنها تعرف موعدها ..

تسابقت عائلات البلدة إلى دفنها بمقابرهم غير أن جدتي أخبرتهم في حزمٍ بأن “مريم” تركت لها وصيةً بأن تجاورها في الرقاد الأخير ..فدفنوها حيث أرادت ..ذلك أنها لم تعش حيث تريد !!

 

“رائد” عبدالسلام 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى