سياحة و سفر

حكايات الملكة حتشبسوت وعنترة بن شداد في المنيا.. كهف أرتميس بين التاريخ والأسطورة

في قلب صعيد مصر، على بُعد حوالي 30 كيلومترًا جنوب شرق مدينة المنيا، ينتصب معبد فريد من نوعه منحوت في الصخور، يجسد إحدى أروع قصص الاختلاط بين الأسطورة والتاريخ.

وهذا المعلم الأثري، الذي تختلف تسمياته بين “معبد الملكة حتشبسوت” و”كهف أرتميس” أو “أسطبل عنتر”، يعكس تقاطعًا فريدًا بين الأحداث التاريخية التي لا يمكن إنكارها والأساطير التي نسجتها الأجيال على مر العصور.

حكايات الملكة حتشبسوت وعنترة بن شداد في المنيا.. كهف أرتميس بين التاريخ والأسطورة
كهف أرتميس

معبد الملكة حتشبسوت: رمز حضاري وملحمة تاريخية
المعبد الذي يقع في منطقة بني حسن الشروق بمركز أبو قرقاص في المنيا، كان قد بُني في فترة ما بين 1551 و1447 قبل الميلاد. الأمر الذي يجعله شاهداً على تاريخ مصر الفرعوني العظيم.

وكان هذا المعبد قد أُقيم بأمر من الملكة حتشبسوت، إحدى أبرز الشخصيات النسائية في تاريخ مصر القديمة، لعبادة الإلهة “باخت”، وهي إلهة حامية للصحراء تمثل النقاء والحماية.

الواجهات المتبقية من المعبد تحمل نقوشًا فرعونية معبرة تحكي عن إنجازات الملكة حتشبسوت في استعادة الأمن والسلام بعد الفوضى التي خلفها الهكسوس.

وهذه النقوش لا تعكس فقط طابع مصر القديمة المعماري المبدع، بل تحمل في طياتها قصصًا عن المعارك والإصلاحات الداخلية التي خاضتها الملكة على مدار فترة حكمها، وهو ما يضع هذا الموقع في مصاف المواقع التاريخية التي تلعب دورًا بالغ الأهمية في فهم تاريخ مصر القديمة.

حكايات الملكة حتشبسوت وعنترة بن شداد في المنيا.. كهف أرتميس بين التاريخ والأسطورة
كهف أرتميس

الأسطورة في أحضان الواقع: “عنترة ابن شداد”
لكن الأسطورة التي تلتصق بهذا المعبد لا تقل أهمية عن حقيقته التاريخية، بل قد تكون هي السبب في جذب الزوار إلى هذا المكان. يقال إن الفارس العربي الشهير “عنترة ابن شداد”، الذي ارتبطت قصته بعشق عبلة وحروب قبيلته مع الأعداء، قد مرّ بهذه المنطقة في أحد أيامه، وقام بزيارة المعبد الذي يشهد على خياله الواسع.

ووفقًا للأسطورة، فإن عنترة، الذي اشتهر بقوته وشجاعته، أقام في إحدى الغرف المجاورة للمعبد “إسطبلًا للخيول”، ومن هنا أطلق على المكان اسم “أسطبل عنتر”.

الأسطورة تتداخل مع التاريخ هنا بشكل غير تقليدي، حيث أن المعابد والمواقع الأثرية القديمة في مصر غالبًا ما تكون مسرحًا لتلك القصص الشعبية التي ترويها الأجيال.

فالرواية التي تتحدث عن عنترة ابن شداد تضع هذه المنطقة في دائرة الضوء، محوّلة المعبد من مجرد موقع تاريخي إلى نقطة تلاقي بين الواقع الخيالي والتاريخ الفعلي. ليس من المستغرب أن تحتفظ هذه المنطقة بالعديد من الأساطير التي تخلد أسماء أبطال الزمن القديم.

حكايات الملكة حتشبسوت وعنترة بن شداد في المنيا.. كهف أرتميس بين التاريخ والأسطورة
كهف أرتميس

تصميم المعبد ومكانته التاريخية
من الناحية المعمارية، يمثل المعبد نموذجًا فريدًا للمعابد المصرية القديمة التي تم نحتها في الصخور. ورغم أنه لم يكتمل بناء المعبد بشكل كامل، إلا أن تصميمه يُظهر عبقرية المصريين القدماء في التعامل مع الصخور الطبيعية واستخدامها في بناء هياكل مذهلة.

ويتكون المعبد من صرح يحتوي على صفين من الأعمدة، وعند دخولك إلى الحجرة الداخلية، ستجد صالة مستطيلة مدعومة بأربعة أعمدة ما زالت تحمل رسومات رائعة تُظهر الملك سيتي الأول والملكة حتشبسوت في مشاهد تصويرية أثناء تقديم القرابين للإلهة باخت.

ورغم مرور آلاف السنين، فإن ما تبقى من هذا المعبد يمكنه أن يروي الكثير من القصص، ويعرض صورًا عن كيف كانت مصر تحترم الآلهة وتكرم الأبطال التاريخيين. هذا التمازج بين الواقع والرمزية هو ما يجعل المعبد مثالًا رائعًا على قدرة المصريين القدماء في دمج الحكايات الشعبية مع الطقوس الدينية.

حكايات الملكة حتشبسوت وعنترة بن شداد في المنيا.. كهف أرتميس بين التاريخ والأسطورة
كهف أرتميس

التهديدات التي واجهها المعبد
ورغم قيمة المعبد التاريخية، لم يكن هذا المعلم بمنأى عن التهديدات التي كانت تحدق به. بين عامي 2011 و2016، تعرضت المنطقة المجاورة للمعبد لتهديدات من الحفر غير القانوني، حيث كان بعض الأفراد يعتقدون أن هناك كنوزًا قديمة مدفونة تحت الصخور. لكن بفضل جهود السلطات المصرية والأثريين المحليين، تم إحباط هذه المحاولات، مما ساعد على الحفاظ على المعبد وعدم تعرضه للتخريب.

حكايات الملكة حتشبسوت وعنترة بن شداد في المنيا.. كهف أرتميس بين التاريخ والأسطورة
كهف أرتميس

معبد أسطوري بين التاريخ والخيال
إن زيارة معبد “أسطبل عنتر” ليست مجرد رحلة عبر الزمن؛ إنها تجربة تنقل الزائر بين الحقب التاريخية المختلفة، حيث تلتقي الحقيقة بالخيال في مشهد حي ينبض بالحياة. ففي هذا المكان، يمكن للزائر أن يشعر وكأن الأساطير التي سمع عنها في طفولته أصبحت جزءًا من الواقع. المعبد ليس مجرد موقع أثري، بل هو نقطة التقاء بين الماضين: الأول هو ماضٍ فرعوني عظيم، والآخر هو ماضٍ عربي أسطوري.

حكايات الملكة حتشبسوت وعنترة بن شداد في المنيا.. كهف أرتميس بين التاريخ والأسطورة
كهف أرتميس

في الختام، فإن معبد “أسطبل عنتر” في المنيا يظل شاهدًا على كيف يمكن للأسطورة أن تلتقي بالحقيقة التاريخية في نقطة واحدة من الزمن، مما يخلق تجربة سياحية وثقافية لا مثيل لها. فهو يروي حكايات عن أبطال وملوك، وعن حضارة عظيمة ظلت تحتفظ بأسرارها بين صخورها وأعمدتها، ليظل التاريخ حياً في كل زاوية من زواياه.

حكايات الملكة حتشبسوت وعنترة بن شداد في المنيا.. كهف أرتميس بين التاريخ والأسطورة
كهف أرتميس
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى