تقارير وتحليلات

حرية بطعم القيد… فرح مكتوم وآلام لا تنسى في صفقة الأسرى الفلسطينية

 

فيما يشبه لوحة تجمع بين دموع الفرح ودموع الألم، وبين مشهد احتفال مكتوم تحت أنظار الرقابة العسكرية، ومأساة عمرها سنوات من الاعتقال، استقبلت عائلات الأسرى الفلسطينيين أبناءها المحررين من السجون الإسرائيلية، وسط إجراءات قمعية فرضها الاحتلال لمنع أي مظاهر احتفالية أو حتى الإدلاء بتصريحات إعلامية.

دموع العودة… وذاكرة القيد
مع ساعات ظهر يوم الاثنين، أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الدفعة الأولى من الأسرى، وعددهم 96 أسيرًا من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية، من سجن عوفر غرب رام الله، ونقلتهم إلى قصر رام الله الثقافي في بيتونيا، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل.
انتشرت عبر وسائل الإعلام الفلسطينية مشاهد استقبال الأسرى في مدن وبلدات الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث كانت العناق الأول بعد سنوات طويلة من الفقد والانتظار. أطفال احتضنوا آباءهم للمرة الأولى، وأمهات بكين بصمت مكتوم، وزوجات حملن صور الأزواج بالأمس واحتضنوهم اليوم.

بين الرجاء واليأس
في بيت بمدينة جنين، وقف والد الأسير المحرر أحمد قنبع يردد “الحمد لله”، شاكرًا المقاومة الفلسطينية على ما اعتبره “معجزة” الإفراج عن نجله، بعد حكم مؤبد و26 عامًا خلف القضبان. يقول الأب:”لم نكن نصدق أننا سنراه حيًا خارج السجن… فقد الأمل، وكنت أفقده معه كل يوم.”

الاتفاق الذي أفضى إلى إطلاق سراحه يشمل لاحقًا دفعة ثانية تضم 154 أسيرًا من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، سيتم نقل عدد منهم من قطاع غزة إلى دول عربية، إضافة إلى أكثر من 1700 معتقل جرى اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر 2023.

شهادة من قلب العتمة
الأسير المحرر شادي أبو سيدو تحدث بمرارة عن تفاصيل الاعتقال:”لم يكن هناك طعام كافٍ ولا ماء… كنا نحيا على حافة الجوع، ونموت كل يوم في انتظار غير معلوم.”

وبينما كانت الكاميرات تلتقط لحظة لقائه بزوجته وأطفاله بعد 20 شهرًا من الاعتقال، كان صوته يختنق وهو يروي كيف كان يعيش على أمل صغير بالعودة.

آخر أيام الحرب… جحيم مضاعف
في الخليل، تحدث الأسير ياسر أبو تركي عن آخر أيامه في السجن التي وصفها بأنها “الأسوأ على الإطلاق”: “كنا نسمع أصوات الحرب من بعيد، لكن أهوال السجن كانت حربًا أخرى… القهر وحده جعل شعري يشيب.”

أسير آخر قال بعد الإفراج عنه: “فضلنا الموت في غزة على البقاء في السجن… كل يوم هناك كان يشبه الموت البطيء.”

بحسب شهادات المحررين، فإن سياسة “التجويع الممنهج” كانت جزءًا من المعاناة اليومية داخل السجون.

أرقام تقرع الضمائر
تشير بيانات مؤسسات الأسرى إلى وجود أكثر من 11 ألف معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يعيشون أوضاعًا وصفت بأنها “كارثية”، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي، الإهمال الطبي، والتجويع، مما أدى إلى استشهاد عدد من الأسرى داخل المعتقلات.

اتهامات وتعهدات
في بيان لها، قالت حركة حماس إن ما وصفته بـ”التعذيب الممنهج” الذي يتعرض له الأسرى يجسد “أبشع صور السادية والفاشية في العصر الحديث”، داعية المؤسسات الحقوقية الدولية إلى “تحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية”.
كما أكدت الحركة أن تعاملها مع الأسرى الإسرائيليين خضع “لقيمها الإسلامية والوطنية”، في مقابل ما وصفته بـ”إمعان الاحتلال في إذلال وتعذيب الأسرى الفلسطينيين”.

فرح مؤجل… وجرح مفتوح
وبينما علت الزغاريد المكتومة في الأزقة، ظلت وجوه كثيرة تنتظر. آلاف الأسرى ما زالوا في قبضة الاحتلال، وأمهات ما زلن يرسمن صور أبنائهن على جدران الانتظار. الإفراج عن الدفعة الأولى أعاد الأمل إلى القلوب، لكنه أعاد أيضًا الذاكرة إلى الجرح الأكبر: أن الحرية ما زالت ناقصة، وأن الطريق نحوها ما زال محفوفًا بالقيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى