جنوب أفريقيا.. قصة الدولة الوحيدة التي صنعت القنبلة النووية وتخلّت عنها طوعًا

في خطوة أدهشت العالم عام 1993، أعلنت جنوب أفريقيا رسميًا أنها نجحت سرًا في إنتاج أسلحة نووية خلال ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن تتخذ قرارًا طوعيًا بتفكيك ترسانتها بالكامل، لتصبح بذلك الدولة الوحيدة في التاريخ التي طورت سلاحًا نوويًا ثم تخلّت عنه بإرادتها الحرة.
هذا الإعلان، الذي صدر من خارج نادي القوى النووية التقليدية، اعتُبر سابقة فريدة في عالم السياسة والأمن، وأعاد النقاش حول دوافع الدول لامتلاك السلاح النووي أو العدول عنه، خاصة في ظل تفاوت المسارات التي سلكتها الدول المختلفة في هذا المجال.
فبينما ركضت دول كبرى مثل الولايات المتحدة والصين والهند لتطوير ترساناتها النووية بشكل مستقل، اعتمدت دول أخرى مثل إسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية على دعم حلفاء أقوياء للوصول إلى القنبلة. في المقابل، اختارت دول غنية تمتلك القدرات التقنية مثل اليابان وألمانيا وأستراليا وكوريا الجنوبية، البقاء خارج السباق النووي رغم قدرتها على دخول النادي النووي في أي وقت.
ويقدّم الباحث فيبين نارانغ، أستاذ الأمن النووي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، في كتابه “البحث عن القنبلة”، تصنيفًا جديدًا لمسارات الدول نحو السلاح النووي بناءً على دراسته لـ29 دولة حاولت امتلاك القنبلة، مصنّفًا إياها إلى أربع فئات: “العداؤون” الذين انطلقوا بسرعة لإنتاج السلاح بمفردهم، و“المتحوطون” الذين يحتفظون بخيار نووي غامض، و“المطاردون السريون” الذين استفادوا من دعم غير مباشر، و“المتخفّون” الذين عملوا في السر دون غطاء دولي.
ويحذر نارانغ من توسع فئة “المتحوطين”، خاصة في الشرق الأوسط، حيث قد تتحول دول حليفة لواشنطن مثل السعودية أو تركيا إلى برامج نووية إذا شعرت بتغيّر في ميزان القوى أو تراجع الالتزامات الأمنية الأمريكية.
كما يلفت نارانغ إلى أن اتفاقية عدم الانتشار النووي (NPT) كرّست منذ توقيعها عام 1968 وضعًا غير عادل، إذ شرّعت امتلاك السلاح لخمس دول كبرى فجّرت قنابلها قبل عام 1967، وحرّمته على بقية الدول، وهو ما يفسر ازدواجية المعايير التي جعلت دولًا مثل إسرائيل تمتلك قنبلة نووية دون عقاب، فيما فُرضت عقوبات على دول مثل إيران عند سعيها لامتلاك التكنولوجيا النووية.
ويخلص نارانغ إلى أن الأسلحة النووية ستظل باقية، وأن التحدي الحقيقي أمام العالم ليس منع انتشارها تمامًا، بل إدارة هذا الانتشار بحكمة لتقليل المخاطر وضمان استقرار النظام الدولي.